السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَهِيَ تَجۡرِي بِهِمۡ فِي مَوۡجٖ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (42)

وقوله تعالى : { وهي تجري بهم } متعلق بمحذوف دلّ عليه اركبوا ، أي : فركبوا مسمين الله تعالى وهي تجري وهم فيها { في موج } وهو ما ارتفع من الماء إذا اشتدّت عليه الريح { كالجبال } في عظمه وارتفاعه على الماء ، قال العلماء : بالسير أرسل الله تعالى المطر أربعين يوماً وليلة . وخرج الماء من الأرض فذلك قوله تعالى : { ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر 11 وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر } [ القمر ، 11 ، 12 ] فصار الماء نصفين نصف من السماء ونصف من الأرض وارتفع الماء على أعلى جبل وأطوله أربعين ذراعاً ، وقيل : خمسة عشر ذراعاً حتى أغرق كل شيء ، وروي أنه لما كثر الماء في السكك خافت امرأة على ولدها من الغرق وكانت تحبه حباً شديداً فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ، فلما بلغها الماء ارتفعت حتى بلغت ثلثيه ، فلما بلغها الماء ذهبت حتى استوت على الجبل ، فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبيّ بيديها حتى ذهب بهما الماء ، فلو رحم الله تعالى منهم أحداً لرحم هذه المرأة . وما قيل من أنّ الماء طبق ما بين السماء والأرض وكانت السفينة تجري في جوفه كما تسبح السمكة فليس بثابت . قال البيضاويّ : والمشهور أنه علا شوامخ الجبال خمسة عشر ذراعاً . فإن صح ، أي : أنه طبق ما بين السماء والأرض فلعل ذلك أي : ما ذكر من علو الموج قبل التطبيق { ونادى نوح ابنه } كنعان وكان كافراً كما مرّ ، وقيل : اسمه يام { وكان في معزل } عزل فيه نفسه إمّا عن أبيه أو دينه ولم يركب معه ، وإمّا عن السفينة ، وإمّا عن الكفار كأنه انفرد عنهم . وظنّ نوح عليه السلام أنّ ذلك إنما كان لأنه أحب مفارقتهم ولذلك ناداه بقوله { يا بني اركب معنا } في السفينة . وقرأ عاصم بفتح الياء اقتصاراً على الفتح من الألف المبدلة ياء الإضافة في قولك يا بنيا . والباقون بالكسر في الوصل ليدل على ياء الإضافة المحذوفة كما قال الشاعر :

يا ابنة عم لا تلومي واهجعي ***

ثم حذف الألف للتخفيف { ولا تكن مع الكافرين } أي : في دين ولا مكان فتهلك ولما قال له ذلك { قال سآوي } .