فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَنۡ أَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ} (17)

{ فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين . أن أرسل معنا بني إسرائيل }اذهبا إلى القوم الطاغين ، وادعواهم إلى الإذعان للذي خلق العوالم كلها ، ودبرها وتولى أمرها ، وملكها وهو أحق من تذعن لطاعته وتسلم له زمامها ، وادعواه أن يفك إسار الإسرائيليين ، ويتركهم أحرارا ، مثلما أشار إليه قول العزيز الحكيم : ) . . . وجاءهم رسول كريم . أن أدوا إلي عباد الله . . ( {[2648]} .

هكذا جاءت الدعوة من رب العالمين لإنقاد المستضعفين ، وتحرير المستذلين ، وتخليص البشر من قهر الجبارين ، واستعلاء المتكبرين ، بل كانت في أول ما دعا إليه الرسول الكريم الكليم ، موسى عليه الصلوات والتسليم ، وأول عهد الله إليه وإلى أخيه هارون : { فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين . أن أرسل معنا بني إسرائيل } )وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين . حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل( {[2649]} ، فهل يشكر الإسرائيليون نعمة الله ؟ وهل يقدس اليهود الوحي الرباني الذي جعل لهم ذكرا على تعاقب أعصار الحياة ؟ وهل يزدجرون وقد ذاق أوائلهم والأواخر مرارة البغي والقهر-فيقلعون عن إشاعة السفك والفحش والشر وتوسيع مداه ؟   ! .

ألم يأن للمستشرفين للحرية والحقوق الإنسانية ، والداعين إليها ، أن يدخلوا في دين الإسلام الذي يهدي من آمن به إلى سنن المرسلين ، ويستحفظهم كرامة وحق البشر ، ويؤاخي على الإيمان بين الناس ، ويلزمهم المودة والتناصر ، مهما اختلفت الشعوب والأجناس  ! [ و{ معكم } و{ مستمعون } خبران لإن . . ولا يخفى ما في المعية من المجاز . . فالمراد معية النصر والمعونة . . فحاصل الآية إنا لكما ولعدوكما كالناصر والظهير لكما عليه إذا حضر واستمع . . وإنما وحد الرسول في قوله : { إنا رسول رب العالمين } لأنه أراد كل واحد ، أو أراد الرسول بمعنى المصدر ، أي ذو رسالة . . ]{[2650]} .


[2648]:سورة الدخان. من الآيتين 17-18.
[2649]:سورة الأعراف. الآيتان: 104، 105.
[2650]:ما بين العلامتين[ ] مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن.