فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا} (68)

{ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما68 يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا69 إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما70 } .

لكأن ما سبق من آيات في وصف عباد الرحمان كانت للتحلية ، آداب يتحلون بها ، وهذه الآيات الكريمات للتخلي عن خصال تناقض تلك ، فالمؤمنون حقا هم الذين لا يزعمون أن مع الله آلهة أخرى ولا يجعلون له ندا ولا ضدا ، وهم لا يزهقون روحا حرم الله إزهاقها إلا بالحق من كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان ، أوفى قصاص . وهم لا يستحلون الفروج بغير نكاح أو ملك يمين ، ومن يقترف كبيرة من تلك الكبائر يجز بها ، ويؤاخذ بإثمها ووزرها ، فيعذب عذابا مضاعفا يوم القيامة ويبق ذليلا في النكال حسيرا ، إلا من أقلع من هؤلاء عن ذنبه ، ورجع إلى منهاج ربه ، وصدق بكلماته ورسله وكتبه ، واستكثر من الطاعات ، والأفعال الصالحات ، والبر والقربات ، فأولئك يتفضل المولى البر الرحيم عليهم فيضع لهم مكان كل سيئة حسنة .

مما في صحيح مسلم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول : نعم ، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق في كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة . . " .

وربنا كان وما يزال واسع الغفر والستر ، والصفح والعفو : ) . . إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين( {[2619]} ) . . وكان بالمؤمنين رحيما . تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما( {[2620]} .

روى مسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال : قلت يارسول الله أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : " أن تدعو لله ندا وهو خلقك " قال : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك " قال : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " فأنزل الله تعالى تصديقها : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما } .

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما{[2621]} عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ، أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا ، فأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزل : { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون } ونزل : ) قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله . . ( {[2622]} .


[2619]:سورة البقرة. من الآية 222.
[2620]:سورة الأحزاب من الآية 43 والآية44.
[2621]:أخرجه البخاري في كتاب التفسير.
[2622]:سورة الزمر.من الآية 53.