الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَمِنۡ حَيۡثُ خَرَجۡتَ فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ وَإِنَّهُۥ لَلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (149)

" ومن حيث خرجت " أي ومن أي بلد خرجت للسفر " فول وجهك شطر المسجد الحرام " إذا صليت " وإنه " وإن هذا المأمور به . وقرئ : تعملون بالتاء والياء . وهذا التكرير لتأكيد أمر القبلة وتشديده لأن النسخ من مظان الفتنة والشهبة وتسويل الشيطان والحاجة إلى التفصلة بينه وبين البداء فكرر عليهم ليثبتوا ويعزموا ويجدوا ولأنه نيط بكل واحد ما لم ينط بالآخر فاختلفت فوائدها " إلا الذين ظلموا " استثناء من الناس ومعناه لئلا يكون حجة لأحد من اليهود إلا للمعاندين منهم القائلين : ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلاً إلى دين قومه وحباً لبلده و كان على الحق للزم قبلة الأنبياء .

فإن قلت : أي حجة كانت تكون للمنصفين منهم لو لم يحول حتى احترز من تلك الحجة ولم يبال بحجة المعاندين قلت : كانوا يقولون ما له لا يحول إلى قبلة أبيه إبراهيم كما هو مذكور في نعته في التوراة

فإن قلت : كيف أطلق اسم الحجة على قول المعاندين قلت : لأنهم يسوقونه سياق الحجة . ويجوز أن يكون المعنى : لئلا يكون للعرب عليكم حجة واعتراض في ترككم التوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم وإسماعيل أبي العرب إلا الذين ظموا منهم وهم أهل مكة حين يقولون : بدا له فرجع إلى قبة آبائه ويوشك أن يرجع إلى دينهم .

وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما : ألا الذين ظلموا منهم على أن ألا للتنبيه ووقف على

حجة ثم استؤنف منبهاً " فلا تخشوهم " فلا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم فإنهم لا يضرونكم

" واخشوني " فلا تخالفوا أمري وما رأيته مصلحة لكم . ومتعلق اللام محذوف معناه : ولإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم أمرتكم بذلك أو يعطف على علة مقدرة كأنه قيل :

واخشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم . وقيل : هو معطوف على " لئلا يكون " . وفي الحديث :

" تمام النعمة دخول الجنة " وعن علي رضي الله عنه : تمام النعمة الموت على الإسلام .