الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَأَصۡبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًاۖ إِن كَادَتۡ لَتُبۡدِي بِهِۦ لَوۡلَآ أَن رَّبَطۡنَا عَلَىٰ قَلۡبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (10)

{ فَارِغاً } صفراً من العقل . والمعنى : أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش . ونحو قوله تعالى : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } [ إبراهيم : 43 ] أي جوّف لا عقول فيها ومنه بيت حسان :

أَلاَ أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي *** فَأَنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَوَاءُ

وذلك أن القلوب مراكز العقول . ألا ترى إلى قوله : { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا } [ الحج : 46 ] ويدل عليه قراءة من قرأ : فرغاً . وقرىء : «قرعاً » أي خالياً من قولهم : أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء . وفرغاً ، من قولهم : دماؤهم بينهم فرغ ، أي هدر ، يعني : بطل قلبها وذهب ، وبقيت لا قلب لها من شدّة ما ورد عليها { لَتُبْدِى بِهِ } لتصحر به . والضمير لموسى والمراد بأمره وقصته ، وأنه ولدها { لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا } بإلهام الصبر ، كما يربط على الشيء المنفلت ليقرّ ويطمئن { لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين } من المصدقين بوعد الله ، وهو قوله : { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ } إليك ويجوز : وأصبح فؤادها فارغاً من الهم ، حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه إن كادت لتبدي بأن ولدها ؛ لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت ، لولا أنا طامنا قلبها وسكنَّا قلقه الذي حدث به من شدّة الفرح والابتهاج ، لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون وتعطفه . وقرىء : «مؤسى » ، بالهمزة : جعلت الضمة في جارة الواو وهي الميم كأنها فيها ، فهمزت كما تهمز واو وجوه .