{ غَيْرُ أُوْلِى الضرر } قرئ بالحركات الثلاث ، فالرفع صفة للقاعدون ، والنصب استثناء منهم أو حال عنهم ، والجرّ صفة للمؤمنين . والضرر : المرض ، أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها . وعن زيد بن ثابت :
كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة ، فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها ، ثم سري عنه فقال : اكتب فكتبت في كتف { لاَّ يَسْتَوِى القاعدون مِنَ المؤمنين } { والمجاهدون } فقال ابن أمّ مكتوم وكان أعمى : يا رسول الله ، وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين . فغشيته السكينة كذلك ، ثم قال : اقرأ يا زيد ، فقرأت { لاَّ يَسْتَوِى القاعدون مِنَ المؤمنين } فقال ( غير أولي الضرر ) . قال زيد : أنزلها الله وحدها ، فألحقتها . والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في الكتف . وعن ابن عباس : لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها . وعن مقاتل : إلى تبوك .
فإن قلت : معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان ، فما فائدة نفي الاستواء ؟ قلت : معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد ، ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته ، فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته ، ونحوه { هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليهاب به إلى التعلم ، ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم { فَضَّلَ الله المجاهدين } جملة موضحة لما نفي من استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل : ما لهم لا يستوون ، فأجيب بذلك . والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر لكون الجملة بياناً للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف { وَكُلاًّ } وكل فريق من القاعدين والمجاهدين { وَعَدَ الله الحسنى } أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم :
« لقد خلفتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم » وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وكانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد ، وبهم ما يمنعهم من المسير من ضرر أو غيره .
فإن قلت : قد ذكر الله تعالى مفضلين درجة ومفضلين درجات ، فمن هم ؟ قلت : أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء وأما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم ، لأن الغزو فرض كفاية .
فإن قلت : لم نصب ( درجة ) و ( أجراً ) و ( درجات ) ؟ قلت : نصب قوله : ( درجة ) لوقوعها موقع المرة من التفضيل ، كأنه قيل فضلهم تفضيلة واحدة . ونظيره قولك : ضربه سوطاً ، بمعنى ضربه ضربة . وأما ( أجراً ) فقد انتصب بفضل ، لأنه في معنى أجرهم أجراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.