الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞وَمَن يُهَاجِرۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يَجِدۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُرَٰغَمٗا كَثِيرٗا وَسَعَةٗۚ وَمَن يَخۡرُجۡ مِنۢ بَيۡتِهِۦ مُهَاجِرًا إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ يُدۡرِكۡهُ ٱلۡمَوۡتُ فَقَدۡ وَقَعَ أَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (100)

{ مُرَاغَماً } مهاجراً وطريقاً يراغم بسلوكه قومه ، أي يفارقهم على رغم أنوفهم . والرغم : الذلّ والهوان . وأصله لصوق الأنف بالرغام - وهو التراب -يقال : راغمت الرجل إذا فارقته وهو يكره مفارقتك لمذلة تلحقه بذلك . قال النابغة الجعدي .

كَطَوْدٍ يُلاَذُ بِأَرْكَانِهِ *** عَزِيزِ الْمَرَاغِمِ وَالْمَذْهَبِ

وقرىء «مرغماً » . وقرىء { ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت } بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف . وقيل : رفع الكاف منقول من الهاء كأنه أراد أن يقف عليها ، ثم نقل حركة الهاء إلى الكاف ، كقوله :

مِنْ عَنَزِيٍّ سَبَّنِي لَمْ أَضْرِبُهْ ***

وقرىء «يدركه » بالنصب على إضمار أن ، كقوله :

وَأَلْحَقُ بِالْحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا ***

{ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ الله } فقد وجب ثوابه عليه : وحقيقة الوجوب : الوقوع والسقوط { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } [ الحج : 36 ] ووجبت الشمس : سقط قرصها . والمعنى : فقد علم الله كيف يثيبه وذلك واجب عليه . وروى في قصة جندب بن ضمرة : أنه لما أدركه الموت أخذ يصفق بيمينه على شماله ثم قال : اللَّهم هذه لك ، وهذه لرسولك ، أبايعك على ما بايعك عليه رسولك . فمات حميداً فبلغ خبره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لو توفي بالمدينة لكان أتم أجراً ، وقال المشركون وهم يضحكون : ما أدرك هذا ما طلب . فنزلت . وقالوا : كل هجرة لغرض ديني - من طلب علم ، أو حج ، أو جهاد ، أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو قناعة وزهداً في الدنيا ، أو ابتغاء رزق طيب - فهي هجرة إلى الله ورسوله . وإن أدركه الموت في طريقه ، فأجره واقع على الله .