الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (101)

الضرب في الأرض : هو السفر ، وأدنى مدة السفر الذي يجوز فيه القصر عند أبي حنيفة : مسيرة ثلاثة أيام ولياليهنّ سير الإبل ومشي الأقدام على القصد ، ولا اعتبار بإبطاء الضارب وإسراعه . فلو سار مسيرة ثلاثة أيام ولياليهنّ في يوم ، قصر . ولو سار مسيرة يوم في ثلاثة أيام ، لم يقصر . وعند الشافعي أدنى مدة السفر أربعة برد مسيرة يومين . وقوله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة } ظاهره التخيير بين القصر والإتمام ، وأن الإتمام أفضل . وإلى التخيير ذهب الشافعي . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم :

" أنه أتم في السفر " وعن عائشة رضي الله عنها : " اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قلت يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، قصرت وأتممت ، وصمت وأفطرت . فقال : أحسنت يا عائشة وما عاب عليّ . " وكان عثمان رضي الله عنه يتم ويقصر . وعند أبي حنيفة رحمه الله : القصر في السفر عزيمة غير رخصة لا يجوز غيره . وعن عمر رضي الله عنه :

" صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم . " وعن عائشة رضي الله عنها :

" أول ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين ركعتين ، فأقرت في السفر ، وزيدت في الحضر "

فإن قلت : فما تصنع بقوله : { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ } ؟ قلت : كأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصاناً في القصر فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر ويطمئنوا إليه . وقرىء : «تقصروا » من أقصر . وجاء في الحديث " إقصار الخطبة بمعنى تقصيرها . " وقرأ الزهري «تقصِّروا » بالتشديد . والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة ، وهو قوله : { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ } وأمّا في حال الأمن فبالسنة ، وفي قراءة عبد الله : «من الصلاة أن يفتنكم » ليس فيها { إِنْ خِفْتُمْ } على أنه مفعول له ، بمعنى : كراهة أن يفتنكم . والمراد بالفتنة : القتال والتعرّض بما يكره .