اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ يَدۡعُوكُمۡ فَتَسۡتَجِيبُونَ بِحَمۡدِهِۦ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا قَلِيلٗا} (52)

قوله تعالى : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ } : فيه أوجه :

أحدها : أنه بدل من " قريباً " ، إذا أعربنا " قريباً " ظرف زمان ، كما تقدَّم .

والمعنى : عَسَى أن يكون يوم البعث يوم يدعوكم ، أي بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة ، كقوله تعالى : { يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ ق : 41 ] .

الثاني : أنه منصوب ب " يكُونَ " قاله أبو البقاء{[20472]} . وهذا عند من يجيز إعمال الناقصة في الظرف ، وإذا جعلناها تامة ، فهو معمولٌ لها عند الجميع .

الثالث : أنه منصوب بضمير المصدر الذي هو اسم " يكُون " أي : عسى أن يكون العود يوم يدعوكم ، وقد منعه أبو البقاء{[20473]} قال : " لأنَّ الضمير لا يعملُ " يعني عند البصريِّين ، وأمَّا الكوفيون ، فيعملون ضمير المصدر ، كمظهره ، فيقولون : " مُرُوري بزيدٍ حسنٌ ، وهو بعمرٍو قبيحٌ " ف " بِعَمْرٍو " عندهم متعلق ب " هُوَ " لأنه ضمير المرور ، وأنشدوا قول زهير على ذلك : [ الطويل ]

ومَا الحَرْبُ إلاَّ ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُم *** ومَا هُو عَنْهَا بالحدِيثِ المُرجَّمِ{[20474]}

ف " هُوَ " ضمير المصدرِ ، وقد تعلق به الجار بعده ، والبصريُّون يؤوِّلونه .

الرابع : أنه منصوب بفعل مقدَّر ، أي : اذكر يوم يدعوكم .

الخامس : أنه منصوبٌ بالبعث المقدر ، قالهما أبو البقاء{[20475]} .

قوله تعالى : " بِحَمدِه " فيه قولان :

أحدهما : أنها حالٌ ، أي : تستجيبون حامدين ، أي : منقادين طائعين .

وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث ؛ كقولك لمن تأمرهُ بعمل يشقُّ عليه : ستأتي به ، وأنت حامدٌ شاكرٌ ، أي : ستأتي إلى حالة تحمدُ الله وتشكر على أن اكتفى منك بذلك العمل ، وهذا يذكر في معرض التهديد .

والثاني : أنها متعلقة ب " يَدْعُوكُم " قاله أبو البقاء{[20476]} ، وفيه قلقٌ .

قوله تعالى : { إِن لَّبِثْتُمْ } " إنْ " نافية ، وهي معلقة للظنِّ عن العمل ، وقلَّ من يذكر " إن " النافية ، في أدواتِ تعليق هذا الباب ، و " قليلاً " يجوز أن يكون نعت زمانٍ أو مصدرٍ محذوفٍ ، أي : إلا زماناً قليلاً ، أو لبثاً قليلاً .

فصل في معنى النداء والإجابة

المعنى : " يَوْمَ يَدْعوكم " بالنِّداء من قبوركم إلى موقف القيامة ، " فتَسْتَجِيبُونَ " أي : تجيبون ، والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه ، وهي الإجابة ، إلاَّ أنَّ الاستجابة تقتضي طلب الموافقةِ ، فهي أوكد من الإجابة .

وقوله " بِحَمْدهِ " قال ابن عباس : بأمره{[20477]} .

وقال قتادة : بطاعته{[20478]} ؛ لأنَّهم لما أجابوه بالتَّسبيح والتَّحميد ، كان ذلك معرفة منهم وطاعة ، ولكنَّهم لا ينفعهم ذلك في ذلك اليوم .

وقيل : يُقِرُّون{[20479]} بأنَّه خالقهم وباعثهم ، ويحمدونه حين لا ينفعهم الحمد ، وهذا خطاب للكفّار .

وقيل : هذا خطابٌ للمؤمنين .

قال سعيد بن جبير : يخرجون من قبورهم ، وينفضون التُّرابَ عن رءوسهم ، ويقولون : سبحانك وبحمدك ، وهو قوله : { فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ }{[20480]} .

وقال أهل المعاني : أي تستجيبون حامدين ؛ كما تقول : جاء بغضبه ، أي : جاء غضبان ، وركب الأمير بسيفه ، أي : وسيفه معه ، ثم قال : { وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : إن لبثتم في الدنيا ، أو في القبور { إِلاَّ قَلِيلاً } لأنَّ الإنسان لو مكث ألوفاً من السِّنين في الدنيا أو في القبور ، عُدَّ ذلك قليلاً في مدَّة القيامة والخلود .

وقال ابن عباسٍ : يريد بين النفختين الأولى والثانية{[20481]} ، فإنه يزال عنهم العذاب في هذا الوقت ، ويدلُّ عليه قوله تعالى في سورة يس { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] وذلك ظنُّهم بأنَّ هذا اللبث قليل ، أي : لبثهم فيما بين النَّفختين .

وقيل : المراد استقلال لبثهم في عرصة القيامة ؛ لأنَّه لما كان عاقبة أمرهم الدُّخول في النَّار ، استقصروا مدة لبثهم في برزخ القيامة .


[20472]:ينظر: الإملاء 2/93.
[20473]:ينظر: المصدر السابق.
[20474]:تقدم.
[20475]:ينظر: الإملاء 2/93.
[20476]:ينظر: المصدر السابق.
[20477]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/92) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/339) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم. وذكره البغوي في "تفسيره" (3/119).
[20478]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/92) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/340) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم. وذكره البغوي في "تفسيره" (3/119).
[20479]:في ب: مقرون.
[20480]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/339) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. و ذكره البغوي في "تفسيره" (3/119).
[20481]:ذكره الرازي في "تفسيره" (20/182) عن ابن عباس.