قوله تعالى : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ } : فيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من " قريباً " ، إذا أعربنا " قريباً " ظرف زمان ، كما تقدَّم .
والمعنى : عَسَى أن يكون يوم البعث يوم يدعوكم ، أي بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة ، كقوله تعالى : { يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ ق : 41 ] .
الثاني : أنه منصوب ب " يكُونَ " قاله أبو البقاء{[20472]} . وهذا عند من يجيز إعمال الناقصة في الظرف ، وإذا جعلناها تامة ، فهو معمولٌ لها عند الجميع .
الثالث : أنه منصوب بضمير المصدر الذي هو اسم " يكُون " أي : عسى أن يكون العود يوم يدعوكم ، وقد منعه أبو البقاء{[20473]} قال : " لأنَّ الضمير لا يعملُ " يعني عند البصريِّين ، وأمَّا الكوفيون ، فيعملون ضمير المصدر ، كمظهره ، فيقولون : " مُرُوري بزيدٍ حسنٌ ، وهو بعمرٍو قبيحٌ " ف " بِعَمْرٍو " عندهم متعلق ب " هُوَ " لأنه ضمير المرور ، وأنشدوا قول زهير على ذلك : [ الطويل ]
ومَا الحَرْبُ إلاَّ ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُم *** ومَا هُو عَنْهَا بالحدِيثِ المُرجَّمِ{[20474]}
ف " هُوَ " ضمير المصدرِ ، وقد تعلق به الجار بعده ، والبصريُّون يؤوِّلونه .
الرابع : أنه منصوب بفعل مقدَّر ، أي : اذكر يوم يدعوكم .
الخامس : أنه منصوبٌ بالبعث المقدر ، قالهما أبو البقاء{[20475]} .
قوله تعالى : " بِحَمدِه " فيه قولان :
أحدهما : أنها حالٌ ، أي : تستجيبون حامدين ، أي : منقادين طائعين .
وهذا مبالغة في انقيادهم للبعث ؛ كقولك لمن تأمرهُ بعمل يشقُّ عليه : ستأتي به ، وأنت حامدٌ شاكرٌ ، أي : ستأتي إلى حالة تحمدُ الله وتشكر على أن اكتفى منك بذلك العمل ، وهذا يذكر في معرض التهديد .
والثاني : أنها متعلقة ب " يَدْعُوكُم " قاله أبو البقاء{[20476]} ، وفيه قلقٌ .
قوله تعالى : { إِن لَّبِثْتُمْ } " إنْ " نافية ، وهي معلقة للظنِّ عن العمل ، وقلَّ من يذكر " إن " النافية ، في أدواتِ تعليق هذا الباب ، و " قليلاً " يجوز أن يكون نعت زمانٍ أو مصدرٍ محذوفٍ ، أي : إلا زماناً قليلاً ، أو لبثاً قليلاً .
المعنى : " يَوْمَ يَدْعوكم " بالنِّداء من قبوركم إلى موقف القيامة ، " فتَسْتَجِيبُونَ " أي : تجيبون ، والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا إليه ، وهي الإجابة ، إلاَّ أنَّ الاستجابة تقتضي طلب الموافقةِ ، فهي أوكد من الإجابة .
وقوله " بِحَمْدهِ " قال ابن عباس : بأمره{[20477]} .
وقال قتادة : بطاعته{[20478]} ؛ لأنَّهم لما أجابوه بالتَّسبيح والتَّحميد ، كان ذلك معرفة منهم وطاعة ، ولكنَّهم لا ينفعهم ذلك في ذلك اليوم .
وقيل : يُقِرُّون{[20479]} بأنَّه خالقهم وباعثهم ، ويحمدونه حين لا ينفعهم الحمد ، وهذا خطاب للكفّار .
قال سعيد بن جبير : يخرجون من قبورهم ، وينفضون التُّرابَ عن رءوسهم ، ويقولون : سبحانك وبحمدك ، وهو قوله : { فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ }{[20480]} .
وقال أهل المعاني : أي تستجيبون حامدين ؛ كما تقول : جاء بغضبه ، أي : جاء غضبان ، وركب الأمير بسيفه ، أي : وسيفه معه ، ثم قال : { وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : إن لبثتم في الدنيا ، أو في القبور { إِلاَّ قَلِيلاً } لأنَّ الإنسان لو مكث ألوفاً من السِّنين في الدنيا أو في القبور ، عُدَّ ذلك قليلاً في مدَّة القيامة والخلود .
وقال ابن عباسٍ : يريد بين النفختين الأولى والثانية{[20481]} ، فإنه يزال عنهم العذاب في هذا الوقت ، ويدلُّ عليه قوله تعالى في سورة يس { مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا } [ يس : 52 ] وذلك ظنُّهم بأنَّ هذا اللبث قليل ، أي : لبثهم فيما بين النَّفختين .
وقيل : المراد استقلال لبثهم في عرصة القيامة ؛ لأنَّه لما كان عاقبة أمرهم الدُّخول في النَّار ، استقصروا مدة لبثهم في برزخ القيامة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.