اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّٗا مُّبِينٗا} (53)

تقدم إعراب قوله تعالى { وَقُل لِّعِبَادِي } في سورة إبراهيم [ 31 ] . وفي العباد ها هنا قولان :

الأول : المراد به المؤمنون ؛ لأنَّ لفظ العباد في أكثر آيات القرآن مختصٌّ بالمؤمنين . قال تعالى : { فَبَشِّرْ عِبَادِ الذين يَسْتَمِعُونَ القول } [ الزمر : 17 ، 18 ] { فادخلي فِي عِبَادِي } [ الفجر : 29 ] { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله } [ الإنسان : 6 ] .

وإذا عرف هذا ، فإنه تعالى لمَّا ذكر الحجج القطعيَّة في صحَّة المعاد ، وهو قوله تعالى : { قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الإسراء : 51 ] قال ها هنا : قل ، يا محمد لعبادي : إذا أردتم الاستدلال على المخالفين ، فاذكروا تلك الدلائل بطريق الأحسن من غير شتم ، ولا سبٍّ ، ونظيره قوله تعالى : { ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] وقوله تعالى : { وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ العنكبوت : 46 ] وذلك لأنَّ ذكر الحجَّة ، إذا اختلط به سبٌّ أو شتمٌ ، لقابلوكم بمثله ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 108 ] ويزداد الغضب ، وتكمل النُّفرة ، ويمتنع المقصود ، وإذا ذكرت الحجة بالطَّريق الأحسن ، أثَّر في القلب تأثيراً شديداً ، ثم نبَّه تعالى على وجه المنفعة ، فقال تعالى : { إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } أي : يفسد بينهم ، ويغري بينهم .

قال الكلبي : كان المشركون يؤذون المسلمين ، فشكوا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : { وَقُل لِّعِبَادِي } المؤمنين يقولوا للمشركين التي هي أحسنُ ، ولا يكافئوهم بسفههم .

قال الحسن : يقول له : يهديك الله ، وكان هذا قبل الإذن في الجهاد{[20482]} .

وقيل : نزلت في عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شتمة بعض الكفَّار ، فأمره الله تعالى بالعفو{[20483]} .

وقيل : أمر المؤمنين بأن يقولوا ، ويفعلوا الخلَّة التي هي أحسن{[20484]} .

وقيل : الأحسن قول : لا إله إلا الله{[20485]} .

قوله تعالى : { إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } يجوز أن تكون هذه الجملة اعتراضاً بين المفسَّر والمفسِّر ؛ وذلك أن قوله تعالى : { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ } [ الإسراء : 54 ] وقع تفسيراً لقوله { بالتي هِيَ أَحْسَنُ } [ الإسراء : 34 ] وبياناً لها ، ويجوز ألاَّ تكون معترضة ، بل مستأنفة .

وقرأ{[20486]} طلحة " ينْزغُ " بكسر الزاي ، وهما لغتان ، كيَعْرِشُون ويَعرُشُونَ ، قاله الزمخشري . قال أبو حيان : ولو مثَّل ب " يَنطَحُ " و " يَنْطِحُ " كأنَّه يعني من حيث إنَّ لامَ كلِّ منهما حرف حلقٍ ، وليس بطائلٍ .

والمعنى : أنَّ الشيطان يلقي العداوة بينهم { إِنَّ الشيطان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } ظاهر العداوة .


[20482]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/93) وذكره البغوي في "تفسيره" (3/119).
[20483]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/119).
[20484]:ينظر: المصدر السابق.
[20485]:ينظر: المصدر السابق.
[20486]:ينظر: الكشاف 2/602، والبحر 6/48، والدر المصون 4/399.