قوله تعالى : { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات والأرض } : في هذه الباءِ قولان :
أشهرهما : أنها تتعلق ب " أعْلَمُ " كما تعلَّقت الباء ب " أعْلَمُ " قبلها ، ولا يلزمُ من ذلك تخصيص علمه بمن في السماوات والأرض فقط .
والثاني : أنها متعلقة ب " يَعْلَمُ " مقدَّراً ، قاله الفارسيُّ ، محتجًّا بأنَّه يلزمُ من ذلك تخصيصُ علمه بمن في السماوات والأرض ، وهو وهمٌ ؛ لأنَّه لا يلزمُ من ذكر الشيء نفيُ الحكم عمَّا عداه ، وهذا هو الذي يقول الأصوليُّون : إنه مفهوم اللَّقبِ ، ولم يقل به إلاَّ أبو بكرٍ الدَّقَّاق في طائفة قليلة .
معنى الآية أنَّ علمه غير مقصورٍ عليكم ، ولا على أحوالكم ، بل علمه متعلِّق بجميع الموجودات والمعدومات ، وبجميع ذرَّات الأرضين ، والسَّموات ، فيعلم حال كلِّ أحد ، ويعلم ما يليقُ به من المصالح والمفاسد ، ولهذا جعلهم مختلفين في صورهم ، وأحوالهم ، وأخلاقهم ، وفضَّل بعض النبيين على بعضٍ ، وآتى موسى التوراة ، وداود الزَّبُور ، وعيسى الإنجيل ، ولم يبعد أيضاً أن يؤتي محمَّداً صلى الله عليه وسلم القرآن مع تفضيله على الخلق .
فإن قيل : ما السَّبب في تخصيص داود بالذكر هاهنا ؟ .
الأول : أنَّه تعالى ذكر أنَّه فضَّل بعض النَّبيِّينَ على بعض ، ثم قال : { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } يعني أنَّ داود آتاه ملكاً عظيماً ، ثم إنَّه تعالى لم يذكر ما آتاه من الملك ، وذكر ما آتاه من الكتب ؛ تنبيهاً على أنَّ التفضيل الذي ذكره قبل ذلك المراد منه التفضيل بالعلم والدِّين ، لا بالمال .
والثاني : أنَّ تخصيصه بالذِّكر أنَّه تعالى كتب في الزَّبور أن محمَّداً خاتم الأنبياء ، وأنَّ أمَّة محمد خيرُ الأمم - صلوات الله وسلامه عليه- .
قال تعالى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون } [ الأنبياء : 105 ] وهم محمد وأمته .
فإن قيل : هلا عرفه كقوله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور } .
فالجواب أن التنكير ها هنا يدل على تعظيم حاله ؛ لأن الزبور عبارة عن المزبور ، فكان معناه الكتاب ، وكان معنى التنكير أنه كامل في كونه كتاباً .
ويجوز أن يكون " زبور " علماً ، فإذا دخلت عليه " أل " كقوله : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور } كانت للمْحِ الأصل كعبَّاس والعباس ، وفضل والفضل .
وقيل : نكَّره هنا دلالة على التبعيض ، أي : زبُوراً من الزُّبر ، أو زبوراً فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق على القطعة منه زبورٌ ، كما يطلق على بعض القرآن ، قرآن .
الثالث : أنَّ السَّبب في تخصيص داود - صلوات الله عليه - أنَّ كفار قريش ما كانوا أهل نظرٍ وجدلٍ ، بل كانوا يرجعون إلى اليهود في استخراج الشُّبهات ، واليهود كانوا يقولون : لا نبيَّ بعد موسى ، ولا كتاب بعد التَّوراة ، فنقض الله عليهم كلامهم بإنزالِ الزَّبور على داود ، وتقدَّم خلافُ القراء في الزبور في آخر سورة النساء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.