قوله تعالى : { اذهب فَمَن } : تقدَّم أن الباء تدغم في الفاء في ألفاظٍ منها هذه ، عند أبي عمرو ، والكسائي ، وحمزة في رواية خلادٍ عنه ؛ بخلاف في قوله تعالى : { وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك } [ الحجرات : 11 ] .
وهذا ليس من الذَّهاب الذي هو ضدُّ المجيء ، وإنما معناه : امضِ لشأنك الذي اخترته ، و المقصود التخلية ، وتفويض الأمر إليه ، كقول موسى - صلوات الله عليه- : { فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } [ طه : 97 ] ثم قال عزَّ وجلَّ : { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } .
فإن قيل : الأولى أن يقال : فإن جهنَّم جزاؤهم ؛ ليعود الضمير إلى قوله : { فَمَن تَبِعَكَ } ؟ فالجواب{[20532]} من وجوهٍ :
الأول : تقديره : جزاؤهم وجزاؤكم ؛ لأنه تقدَّم غائب ومخاطب في قوله : { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } فغلَّب المخاطب على الغائب ، فقيل : جزاؤكم .
والثاني : يجوز أن يكون الخطاب مراداً به " مَنْ " خاصة ، ويكون ذلك على طريق الالتفات .
والثالث : أنه - صلوات الله وسلامه عليه - قال : " مَنْ سَنَّ سُنَّةً سيِّئةً فَعليْهِ وِزْرُهَا ووِزْرُ مِنْ عَمِلَ بِهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ " {[20533]} فكل معصية توجد فيحصل لإبليس مثل وزْرِ ذلك العامل ، فلما كان إبليس هو الأصل في كلِّ المعاصي ، صار المخاطب بالوعيد هو إبليس .
قوله تعالى : " جَزَاءً " في نصبه أوجهٌ :
أحدها : أنّه منصوبٌ على المصدر ، الناصب له المصدر قبله ، وهو مصدر مبين لنوع المصدر الأول .
الثاني : أنه منصوب على المصدر أيضاً ، لكن بمضمرٍ ، أي : يجازون جزاء .
الثالث : أنه حالٌ موطئة ك " جَاءَ زيدٌ رجُلاً صَالحاً " .
الرابع : أنه تمييزٌ ، وهو غير متعقَّل .
و " مَوفُوراً " اسم مفعولٍ ، من وفرته ، ووفر يستعمل متعدِّياً ، ومنه قول زهير : [ الطويل ]
ومَنْ يَجْعَلِ المعرُوفَ من دُونِ عِرْضهِ *** يَفِرهُ ومَنْ لا يتَّقِ الشَّتمَ يُشتمِ{[20534]}
والآية الكريمة من هذا ، ويستعمل لازماً ، يقال : وفرَ المالُ يَفِرُ وفُوراً ، فهو وَافِرٌ ، فعلى الأول : يكون المعنى جزاء موفَّراً ، وعلى الثاني : يكون المعنى جزاء وافراً مكمَّلاً يقال : وفرتهُ أفرهُ وفْراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.