{ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر } أي : خوف الغرق " ضَلَّ " ، بطل { مَن تَدْعُونَ } من الآلهة { إِلاَّ إِيَّاهُ } إلا الله ، فلم تجدوا مغيثاً سواه ، { فَلَمَّا نَجَّاكُمْ } من الغرق ، والشدة ، وأهوال البحر ، وأخرجكم { إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ } عن الإيمان ، والإخلاص ، والطاعة ؛ كفراً منكم لنعمه ، { وَكَانَ الإنسان كَفُوراً } .
قوله تعالى : { إِلاَّ إِيَّاهُ } : فيه وجهان :
أحدهما : أنه استثناءٌ منقطعٌ ؛ لأنه لم يندرج فيما ذكر ، إذ المراد به آلهتهم من دون الله .
والثاني : متصلٌ ؛ لأنهم كانوا يلْجَئُونَ إلى آلهتهم ، وإلى الله تعالى .
والثالث : { أَفَأَمِنْتُمْ } بعد ذلك { أَن يَخْسِفَ بِكُم } ربُّكم يغوِّر بكم [ جانب ]{[20561]} البرِّ .
قال الليث - رحمه الله- : الخسفُ والخسوف دخُولُ الشيءِ في الشَّيء{[20562]} ، يقال عينٌ خاسفةٌ التي غابت حدقتها في الرَّأس ، وعينٌ من الماس خاسفةٌ ، أي : غائرة الماءِ ، وخسفتِ الشَّمس أي : احتجبت ، وكأنَّها وقعت تحت حجابٍ ، أو دخلت في جحر ، فقوله : { يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر } أي : يغيبكم في جانب البرِّ ، وهو الأرض ، وإنما قال : جانب البرِّ ؛ لأنَّه ذكر البحر أولاً ، فهو جانب ، والبر جانبٌ ، فأخبر الله سبحانه وتعالى ؛ أنه كما كان قادراً على أن يغيبهم في الماءِ ، فهو قادر على أن يغيبهم في الأرض ، فالغرق تغييبٌ تحت الماء ، كما أنَّ الخسف تغييبٌ تحت التُّراب .
وتقرير الكلام أنَّه تعالى ذكر أولاً أنَّهم كانوا خائفين من هول البحر ، فلمَّا نجَّاهم منه آمنوا ، فقال : هَبْ أنَّكم نجوتم من هول البحر ، فكيف أمنتم من هو البرِّ ؛ فإنَّه قادرٌ على أن يسلِّط عليكم آفاتِ البرِّ من جانب التَّحتِ ، أو من جانب الفوق ، فأما من جانب التَّحت ، فالخسف ، وأما من جانب الفوق ، فبإمطاركم الحجارة ، وهو المراد من قوله { أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً } فكما يتضرعون إلى الله تعالى عند ركوب البحر فكذا يتضرَّعون إليه في كل الأحوال ، والحَصَبُ في اللغة : المرمى ، يقال : خصبته أحصبه ، إذا رميته والحَصْبُ : الرَّميُ ومنه قوله تعالى :
{ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] ، أي : يُلقَوْنَ فيها ، ومعنى قوله " حَاصِباً " أي عذاباً يحصبهم ، أي : يرميهم بحجارةٍ .
قال أبو عبيدة والقتيبيُّ : الحاصبُ : الرِّيحُ التي ترمي بالحصباء ، وهي الحصى الصِّغار ؛ قال الفرزدق :
مُسْتَقْبِلينَ شَمالَ الشَّامِ تَضْرِبُهمْ *** حَصْبَاءُ مِثْلُ نَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ{[20563]}
ويسمَّى السَّحاب الذي يرمي بالبرد والثَّلج حاصباً ، لأنه يرمي بهما رمياً ، ولم يؤنثه : إمَّا لأنه مجازيٌّ ، أو على النسب ، أي : ذات حصبٍ .
وقال الزجاج : الحاصب التُّراب الذي فيه الحصباء ، فالحاصب على هذا هو ذُو الحصباء ، مثل اللاَّبن والتَّامر .
{ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } قال قتادة : مَانِعاً{[20564]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.