اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (56)

قوله : { فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ } في محل هذا الموصول قولان :

أظهرهما - وهو الأظهر - : أنه مرفوع على الابتداء ، والخبر الفاء وما بعدها .

الثاني : أنه منصوب بفعل مقدَّر ، على أن المسألة من باب الاشتغال ، إذ الفعل بعده قد عمل في ضميره ، وهذا وجه ضعيف ؛ لأن " أمَّا " لا يليها إلا المبتدأ وإذا لم يَلِها إلا المبتدأ امتنع حمل الاسم بعدها على إضمار فعل ، ومن جوَّز ذلك قال : بأنه يُضْمَر الفعلُ متأخِّراً عن الاسم ، ولا يضمر قبله . قال : لئلا يَلِيَ " أمَّا " فعل - وهي لا يليها الأفعال البتة - فَتُقَدِّر - في قولك : أما زيداً فضربتُهُ - أما زيداً ضربتُ فضَرَبْتُه ، وكذا هنا يُقَدَّر : فأما الذين كفروا أعَذِّبُ فأعَذِّبُهُم ؛ قدر العامل بعد الصلة ، ولا تقدره قبل الموصول ؛ لما ذكرناه . وهذا ينبغي أن لا يجوز ؛ لعدم الحاجة إليه مع ارتكابِ وجهٍ ضعيفٍ جدًّا في أفصح الكلامِ .

وقد قرئ شاذًّا { وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ } [ فصلت : 17 ] بنصب " ثمود " واستضعفها الناس .

فصل

عذاب الكفار - في الدنيا - بالقتل والسبي والجزية والذلة ، وفي الآخرة بالنار أي : في وقت الآخرة بالنار { وَمَا لَهُمْ مِّن نَّصِرِينَ } .

فإن قيل : وصف العقاب بالشدة يقتضي أن يكون عقاب الكافر في الدنيا أشد ، ولسنا نجد الأمر كذلك فإن الأمر تارة يكون على الكفار ، وأخرى على المسلمين ، ولا نجد بين الناس تفاوتاً .

فالجوابُ : أن التفاوُتَ في الدنيا موجود ؛ لأن الآية في بيان أمر اليهود الذين كذبوا بعيسى - عليه السلام ، وَنَرى الذِّلَّةَ والمسكنةَ لازمةً لهم .

فإن قيل : أليس قد يمتنع على الأئمة وعلى المؤمنين قتل الكفار ؛ بسبب العهد وعقد الذِّمَّة ؟

فالجواب : أن المانع من القتل هو العهد ، ولذلك إذا زالَ العهدُ حَلَّ قَتْلُه .