قوله : { الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ } يجوزُ أنْ تكونَ هذه الجملةُ مستقلةً برأسِهَا والمعنى أنَّ الحقَّ الثابت الذي لا يضمحلّ هو مِنْ ربك ، ومن جملةِ ما جاء مِنْ ربكَ قصةُ عيسى وأمُهُ ، فهو حقٌّ ثابتٌ .
ويجوز أن يكونَ " الحقُّ " خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي : ما قَصَصْنَا عليكَ من خبرِ عيسى وأمه ، وحُذِفَ لكونه معلوماً . و { مِّن رَّبِّكُمْ } على هذا - فيهِ وجهانِ :
أحدهما : أنه حال فيتعلق بمحذوف .
والثاني : أنه خبر ثان - عند من يجوز ذلك وتقدم نظير هذه الجملة في البقرة .
وقال بعضهم : " الحق رفع بإضمار فعل ، أي : جاءك الحق " .
وقيل : إنه مرفوع بالصفة ، وفيه تقديم وتأخير ، تقديره : من ربك الحق .
والامتراء : الشك . قال ابنُ الأنباريِّ : هو مأخوذٌ من قول العرب : مَرَيْتُ الناقة والشاة - إذا حلبتهما - فكأن الشاك يجتذب بشكِّه شَرًّا - كاللبن الذي يُجْتَذَب عند الحلب .
ويقال قد مارى فلان فلاناً - إذا جادله - كأنه يستخرج غضبه ، قال ابنُ عبّاسٍ لعمر رضي الله عنهما : لا أماريك أبَداً .
ومنه قيل : الشكر يَمْتَرِي المزيد ؛ أي : يجلبه .
هذا الخطابُ - في الظاهر - مع النبي صلى الله عليه وسلم واختُلِفَ في تأويلِهِ :
فقيل إن هذا الخطاب - وإن كان ظاهره مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه في المعنى مع الأمة ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن شاكاً في أمر عيسى ، فهو كقوله : { يَأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ } [ الطلاق : 1 ] .
وقيل إنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ومعناه أنه من باب الإلهاب والتهييج على الثبات على ما هو عليه من الحق أي : دم على يقينك وعلى ما أنت عليه من تَرْك الامتراء .
أحدهما : قال أبو مسلم : معناه أن هذا الذي أنزلتُ عليك - من حبر عيسى - هو الحقُّ ، لا ما قالت النصارى واليهود ، فالنصارى قالوا : إن مريم ولدت إلَهاً ، واليهود رَمَوْا مريم عليها السلام بالإفك ، ونسبوها إلى يوسف بن يعقوب النجار ، فالله - تعالى - بَيَّن أن هذا الذي نزل في القرآن هو الحق ، ثم نهى عن الشك فيه .
الثاني : ما ذكرنا من المثل - وهو قصة آدم - فإنه لا بيان لهذه المسألة ، ولا برهان أقوى من التمسُّك بهذه الواقعةِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.