قوله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ } : في محلِّ هذا الموصولِ قولان ، أظهرُهما :
أنه مرفوعٌ على الابتداءِ ، والخبرُ الفاءُ وما في حَيِّزها ،
والثاني : أنه منصوبٌ بفعل مقدر ، على أن المسألة من باب الاشتغال ، إذ الفعلُ بعدَه قد عَمِلَ في ضميره ، وهذا وجهٌ ضعيف ، لأنَّ " أمَّا " لا يليها إلا المبتدأُ ، وإذا لم يَلِها إلا المبتدأُ امتنعَ حَمْلُ الاسم بعدها على إضمارِ فعلٍ . ومَنْ جَوَّزَ ذلك تَمَحَّل بأنه يُضْمِرُ الفعلُ متأخراً عن الاسم ، ولا يُضْمِرُه قبلَه ، قال : لئلا يَلِيَ " أمَّا " فعلٌ وهي لا يَليها الأفعالُ البتة فيقدِّرُ في قولك : " أمَّا زيداً فضَربتُه " : أمَّا زيداً ضربْتُ فضربتُه ، وكذا هنا يُقَدِّرُ : فأمَّا الذين كفروا أعذَّب فأعذِّبهم ، فيقدِّرُ العاملَ بعد الصلة ، ولا يقدِّرُه قبل الموصولِ لِما ذكرت ، وهذا ينبغي ألاَّ يجوزَ لعدمِ الحاجةِ إليه مع ارتكاب وجهٍ ضعيفٍ جداً في أفصحِ كلام ، وقد قرأ بعض قراء الشواذ : { وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ } [ فصلت : 17 ] بنصبِ " ثمود " واستضعفها الناس .
وفي قوله : { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } إلى { كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } التفاتٌ من غيبة إلى خطاب ، وذلك أنه قدَّم تعالى ذِكْرَ مَنْ كَذَّب بعيسى وافترى عليه وهم اليهود لُعنوا ، وقَدَّم أيضاً ذِكْرَ مَنْ آمَنَ به وهم الحواريون رضي الله عنهم وقَضَى بعد ذلك بالإِخبار بأنه يجعلُ مُتَّبعي عيسى فوق مخالِفيه ، فلو جاءَ النظمُ على السياقِ من غيرِ التفاتٍ لكانَ : ثم إليَّ مَرْجِعُهم فأَحْكُمُ بينهم فيما كانوا ، ولكنه التفت إلى الخطاب لأنه أبلغُ في البِشارة وَأَزْجَرُ في النِّذارة .
وفي ترتيبِ هذه الأخبار الأربعة أعني مُتَوَفِّيك ورافعُك ومُطَهِّرك وجاعلُ هذا الترتيبَ معنًى حسنٌ جداً ، وذلك أنه تعالى بَشَّره أولاً بأنه متوفِّيه ومتولِّي أمره فليس للكفار المتوعِّدين له بالقتل عليه سلطانٌ ولا سبيلٌ ، ثم بَشَّره ثانياً بأنه رافعُه إليه أي : سمائهِ محلِّ أنبيائِهِ وملائكتِهِ ومحلِّ عبادتِهِ ليسكنَ فيها ويعبُدَ ربَّه مع عابِدِيه ، ثم ثالثاً بتطهيرِهِ من أَوْضارِ الكفرةِ وأذاهم وما رَموه به ، ثم رابعاً برفعهِ تابعيه على مَنْ خالفهم ليتِمَّ بذلك سرورُه ، ويكملَ فرحُهُ ، وقَدَّم البِشارَةَ بما يتعلَّقُ بنفسِهِ على البِشارة بما يتعلَّق بغيره ؛ لأنَّ الإِنسانَ بنفسِهِ أَهَمُّ وبشأنها أَعْنى ،
{ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] " ابدَأْ بِنَفْسِكَ ثم بِمَنْ تَعول " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.