اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ} (63)

وقوله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } يجوز أن يكون مضارعاً - حُذِفَتْ منه إحدى التاءَين ، تخفيفاً - على حَدِّ قراءة : { تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ } [ القدر : 4 ]

و { تَذَكَّرُون } [ الأنعام : 152 ] - ويؤيد هذا نسق الكلام ، ونظمُه في خطاب من تقدم في قوله : { تَعَالَوْا } ثم جرى معهم في الخطاب إلى أن قال لهم : فَإن تولّوا .

قال أبو البقاء : " ويجوز أن يكون مستقبلاً ، تقديره : تتولوا - ذكره النَّحَّاسُ - وهو ضعيفٌ ؛ لأن حَرْفَ الْمُضَارَعةَِ لا يُحْذَف " .

قال شهاب الدين : " وهذا ليس بشيء ؛ لأن حرف المضارعة يُحْذَف - في هذا النحو - من غير خِلافٍ . وسيأتي من ذلك طائفة كثيرة " .

وقد أجمعوا على الحذف في قوله :

{ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } [ القدر : 4 ] .

ويجوز أن يكون ماضياً ، أي : فإن تَوَلَّى وَفْدُ نجرانَ المطلوب مباهلتهم ، ويكون - على ذلك - في الكلام التفات ؛ إذْ فيه انتقال من خطابٍ إلى غيبةٍ .

قوله : { بِالْمُفْسِدِينَ } من وقوع الظاهر موقعَ المُضْمَرِ ، تنبيهاً على العلة المقتضية للجزاءِ ، وكان الأصل : فإن الله عليم بكم - على الأول - وبهم - على الثاني .

فصل

ومعنى الآية : فإن تولوا عما وَصَفْتَ لهم من أنه الواحد ، وأنه يجب أن يكون عزيزاً غالباً ، قادراً على جميع المقدوراتِ ، حكيماً ، عالماً بالعواقب - مع أن عيسى ما كان كذلك - فاعلم أن تولّيهم وإعراضَهم ليس إلاَّ على سبيل العِنَادِ ، فاقطع كلامَك عَنْهُم ، وفَوِّضْ أمرك إلى اللهِ ؛ فإنه عليم بالمفسدين الذين يعبدون غيرَ اللهِ ، مُطَّلِع على ما في قلوبهم من الأغراض الفاسدة ، قادرٌ على مجازاتهم .