قوله : { لِمَ تُحَآجُّونَ } هي " ما " الاستفهامية ، دخل عليها حرف الجر ، فحُذِفَت ألفُها وتقدم ذلك في البقرة ، واللام متعلقة بما بعدها ، وتقديمها على عاملها واجب ؛ لجرها ما له صَدْرُ الكلام .
قوله : { فِي إِبْرَاهِيمَ } لا بد من مضافٍ محذوفٍ ، أي : في دين إبراهيم وشريعته ؛ لأن الذوات لا مجادلة فيها .
قوله : { وَمَآ أُنزِلَتِ التَّورَاةُ } الظاهر أن الواو للحال ، كهي في قوله : { لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } [ آل عمران : 70 ] .
أي كيف تحاجون في شريعته والحال أن التوراة والإنجيل متأخران عنه ؟
وجوزوا أن تكون عاطفة ، وليس بالبيِّن ، وهذا الاستفهام للإنكار والتعجُّب ، وقوله : { إِلاَّ مِن بَعْدِهِ } متعلق ب " أنزلت " ، وهو استثناء مفرَّغ .
اعلم أن اليهود كانوا يقولون : إن إبراهيم كان على ديننا ، والنصارى كانوا يقولون : إن إبراهيم كان على ديننا ، فقيل لهم : كيف تقولون ذلك والتوراة والإنجيل إنما نَزَلاَ من بعده بزمان طويلٍ ؟ كان بين إبراهيم وبين موسى ألف سنةٍ ، وبين موسى وعيسى ألف سنةٍ ، فكيف يُعْقَل أنْ يكون يهوديًّا أو نصرانياً ؟
فإن قيل : فهذا - أيضاً - لازم عليكم ؛ لأنكم تقولون : إن إبراهيم على دين الإسلام ، والإسلام إنما نزل بعده بزمان طويلٍ ، فإن قلتم : المراد أن إبراهيم كان في أصول الدين على مذهب المسلمين الآن ، فنقول لهم : لِمَ لا يجوز - أيضاً - أن يقول اليهود : إن إبراهيم كان يهوديًّا بمعنى أنه كان على الدين الذي عليه اليهود ، وتقول النصارى : إن إبراهيم كان نصرانياً بمعنى أنه كان على الدين الذي عليه النصارى ؟ فكون التوراة والإنجيل نازلين بعد إبراهيم لا ينافي كونه يهودياً أو نصرانياً ، كما أن كون القرآن نازلاً بعده لا ينافي كونه مسلماً .
فالجواب : أن القرآن أخبر أن إبراهيم كان حنيفاً مسلماً ، وليس في التوراة والإنجيل أن إبراهيم كان يهودياً ، أو نصرانياً ، فظهر الفرق .
ثم نقول : أما كون النصارى ليسوا على ملة إبراهيمَ فظاهر ؛ لأن المسيح ما كان موجوداً في زمان إبراهيمَ فما كانت عبادته مشروعة في زمان إبراهيم - لا محالة - فكان الاشتغال بعبادة المسيح مخالفة لإبراهيم - لا محالة - وأما كون اليهود ليسوا على ملة إبراهيم ، فلا شك أنه كان لله - تعالى - تكاليف على الخلق قبل مجيء موسى عليه السلام وكان قبله أنبياء ، وكانت لهم شرائعُ معيَّنة ، فلما جاء موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم ، فإما أن يقال : إنّ موسَى جاء بتقرير تلك الشرائع ، أو بغيرها ، فإن جاء بتقريرها لم يكن موسَى صاحب الشريعةِ ، بل كان كالفقيه المقرِّر لشرعِ مَنْ قبله ، واليهود لا يرضَوْن بذلك .
وإذا كان جاء بشرع سوى شرع مَنْ تقدمه فقد قال بالنسخ ، فثبت أنه لا بد وأن يكون دين كُلِّ الأنبياء جواز القول بالنسخ ، وأن النسخ حق - واليهود يُنْكرون ذلك ، فثبت أن اليهود ليسوا على ملة إبراهيم ، فظهر بُطْلانُ قولِ اليهود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.