قد تقدَّمَ الكلامُ على مِثْل قوله : " ألم تر " ، وقوله : " بل " ، إضْرَابٌ عَنْ تزكيتهم أنفُسَهُم ، وقدّر أبُو البقاء{[8225]} قبل هذا الإضراب جُمْلَةً ؛ قال : تقديرهُ : أخْطؤوا ، { بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } .
[ وقوله : " ولا يظلمون " ، يجوزُ أنْ يكونَ حَالاً ممَّا تقدَّم ، وأنْ يكون مُسْتَأنفاً ، والضميرُ في " يظلمون " يجوزُ أنْ يعود على " من يشاء " ]{[8226]} أيْ : لا يُنْقِصُ مِنْ تزكيتهم شيئاً ، وإنَّما جَمَعَ الضميرَ ؛ حَمْلاً على مَعْنى " من " وأنْ يَعُودَ على الذين يُزَكونَ ، وأنْ يعُودَ على القَبِيليْن مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ ، وَمَنْ زَكَّاهُ اللَّه ، فَذَاكَ لاَ يُنْقِصُ من عقابه شَيْئاً ، وهذا لا يُنْقِصُ مِنْ ثَوَابِهِ شَيْئاً ، والأوَّلُ أظْهَرُ ؛ لأن " من " أقَرْبُ مَذْكُورٍ ، ولأنَّ " بل " إضرابٌ مُنْقطعٌ{[8227]} ما بَعْدَهَا عمَّا قَبْلَهَا .
وقال أبُو البَقَاءِ{[8228]} : ويجوزُ أن يكُونَ مُسْتأنَفاً ، أيْ : منْ زَكَّى نَفْسَه ، ومَنْ زَكَّاهُ اللَّهُ . انتهى .
فجعل عودَ الضميرِ على الفَريقَيْنِ ؛ بِناءً على وَجْهِ الاسْتِئْنافِ ، وهذا غيرُ لازِمٍ [ بل ]{[8229]} يجوزُ عودهُ عَلَيْهِمَا ، والجملةُ حَالِيَّةٌ .
و { فَتِيلاً } مَفعُولٌ ثانٍ ؛ لأن الأولَ قامَ مَقَامَ الفاعِلِ ، ويجوزُ أنْ يكونَ نَعْت مَصْدرٍ مَحْذُوفٍ ، كما تقدَّمَ تقديره في : { مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] ، والفَتِيلُ : خَيْطٌ رَقيقٌ في شِقِّ النَّوَاة [ يَضْرَبُ به المَثلُ في القِلَّةِ ، قالَهُ ابنُ السِّكيتِ ، وغيرُهُ .
وقيل : هو مَا خَرَجَ مِنْ بيْن إصْبَعَيْكَ ، أو كَفَّيْكَ مِنَ الوَسَخ ]{[8230]} حين تَفْتُلُهُمَا{[8231]} ، فهو فَعِيلٌ بمعنى مَفْعُولٍ ، وقد ضرب العَرَبُ المثلَ في القِلّةِ التافِهَةِ بأربَعةِ أشْيَاء ، اجتمعْتَ في النواةِ ، وهي : الفَتِيلُ ، والنَّقِيرُ : وهو النُّقْرَةُ التي في ظهر النَّواةِ ، والقِطْميرُ : هو القِشْرُ [ الرقيقُ ]{[8232]} فوقها [ وهذه الثلاثةُ واردَةٌ في الكتابِ العزيز ، والثُّفْروق : وهو ما بيْنَ النواةِ والقِمْع ]{[8233]} الَّذِي يكُونُ في رَأسِ التَّمرة كالعلاقَةِ بَيْنَهُمَا .
لما هَدّد{[8234]} اليهود بأنه تعالى{[8235]} لا يغفرُ أنْ يشركَ به ، قالوا : لَسْنَا منَ المشركينَ ، بل نحنُ مِنْ خَوَّاصِّ اللَّهِ .
قال الكَلْبيُّ{[8236]} : " نزلت هذه الآيةُ في رِجَالٍ مِنْ اليهودِ : منهم " بَحْرى بنُ عُمَرَ " ، و " النُّعْمانُ بنُ أوْفَى " ، و " مَرْحَبُ بنُ زَيْدٍ " أتَوْا بأطْفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقَالُوا : يا محمدُ [ هَلْ ]{[8237]} على هَؤلاءِ مِنْ ذنْبٍ ؟ فقال : لاَ ، قالوا : ما نَحْنُ إلاَّ كَهَيْئتهم ، ما عَمِلْنَا بالنهار ، يُكَفَّر{[8238]} عنّا بالليل ، وما علمنا بالليل ، يكفرُ عنَّا بالنهار ، فنزلت هذه الآيةُ .
وقال مُجاهِدٌ ، وعكْرمة{[8239]} : كانُوا يُقدِّمُونَ أطْفَالَهُم في الصلاةِ ، يَزْعمُوَن أنَّهم لا ذُنُوبَ لَهُم ، فتِلْكَ التزكيةُ{[8240]} .
وقال الحَسنُ ، والضحاكُ ، وقتادةُ ، ومقاتلٌ : نزلت في اليهودِ ، والنصارى ، حينَ قَالُوا :
{ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى }{[8241]} [ البقرة : 111 ] .
قال عبدُ الله بنُ مسعودٍ : هو تزكيةُ بعضِهم لِبَعضٍ{[8242]} .
التَّزْكِيَةُ - ها هنا - عِبارةٌ عنْ مَدْح الإنْسَانِ نَفْسَهُ .
قال تعالى :{ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } والتَّقْوَى : لا يَعْلَمُ حقيقتَها إلاَّ الله تعالى .
فإن قيل : ألَيْسَ قد قال - عليه الصلاة والسلام - : " واللَّهِ ، إنّي لأمِينٌ في السَّماءِ ، وأمِينٌ في الأرْضِ " {[8243]} .
فالجوابُ : إنَّما قال ذلك حين قال المنافِقُون له : اعدِلْ في القِسْمة ؛ ولأنَّ الله تعالى لمَّا زكَّاهُ أوَّلاً بِقِيَامِ المعْجزةِ ، جاز له ذَلِكَ ، بخلافِ غيرِه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.