قال المفسِّرُون{[8254]} : خرج كَعْبُ بنُ الأشْرَفِ ، وحُيَيّ بن أخْطَبَ ، فِي سَبْعِينَ رَاكِباً من اليَهُودِ إلى مَكَّةَ بعد وَقْعَةِ أحُد ؛ ليُحالفُوا قُرَيْشاً ، على مُحَارَبَةِ الرَّسُولِ - عليه الصَّلاة والسلام - ويَنقُضُوا العهدَ الذي كان بينَهُم وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فنزل كَعْبٌ علَى أبِي سُفْيانَ ؛ فأحْسنَ مَثْوَاهُ ، ونزلت اليهودُ في دُورِ قُرَيْشٍ ، فقال أهْلُ " مكة " : إنكم{[8255]} أهل كتاب ، ومُحَمَّدٌ صاحبُ كِتابٍ ، ولا نأمَنُ أن يكُونَ هذا مَكْراً مِنكم ، فإن أرَدْتَ أن نخرجَ مَعَكَ ، فاسْجُدْ لهذين الصَّنَميْنِ وآمنوا بهما ، فَفَعلُوا ذلك ؛ فذلك قوله تعالى : { يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ }{[8256]} .
ثم قال كَعْبٌ لأهْلِ مَكَّةَ : ليجيء منكم [ الآن ]{[8257]} ثلاثُونَ ومِنَّا ثلاثُونَ فنلْزقَ أكْبَادنا بالكعبةِ ؛ فنعاهد رَبَّ هذا البيتِ ، لنجهدنَّ على قِتَالِ مُحَمَّدٍ ؛ فَفَعلُوا ، ثُمَّ قال أبُو سُفْيانَ لِكَعْبٍ : إنَّك امرؤٌ تَقْرَأُ الكِتَابَ ، وتَعْلَمُ ، ونحنُ أُمُّيُّون ، ولا نَعلَمُ ، فَأيُّنَا أهْدَى طَريقاً : نَحْنُ أم{[8258]} مُحَمَّدٌ ؟
فقال كَعْبٌ لأبي سُفْيان : اعرضُوا عليَّ دينكم ، فقال أبُو سُفْيَانَ : نحن نَنْحَرُ للحَجِيج الكُومَاء{[8259]} ، ونَسْقيهمُ [ الماء ]{[8260]} ونَقْري الضَّيْفَ ، ونُقِلُّ العَانِي ، ونَصِلُ الرَّحِمَ ، ونعَمِّرُ بين رَبِّنَا ، ونطوفُ به ، ونحنُ أهْلُ الحَرَم ، ومحمدٌ فارق دينَ آبَائِهِ ، وقطعَ الرَّحمَ ، وفارقَ الحَرَمَ ، ودينُنَا القَديمُ ، ودينُ محمدٍ الحديثُ ، فقال كَعْبٌ : أنْتُمْ واللَّهِ أهْدَى سَبِيلاً مَمَّا عليه محمدٌ ؛ فنزلتْ هذه الآيةُ .
قوله : { يُؤْمِنُونَ } فيه وجهانِ :
أحدُهُمَا : أنه حَالٌ إمَّا من : " الذين " وإمَّا مِنْ واوِ " أوتوا " ، و " بالجبت " مُتعلِّقٌ به ، و " يقولون " عطفٌ عليه ، و " الذين " مُتعلِّقٌ ب " يقولون " ، واللامُ ؛ إمَّا للتبيلغِ ، وإمَّا لِلْعلةِ ؛ كنظائرها ، و " هؤلاء أهدى " مُبْتَدأٌ وخَبَرٌ في محل نَصْبٍ{[8261]} بالقول و " سبيلاً " تَميِيزٌ .
والثَّانِي : أنَّ " يؤمنون " مُستأنَفٌ ، وكأنَّه تعجَّبَ مِنْ حَالِهم ؛ إذْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ أوتِيَ نَصيباً من الكتاب ؛ ألاَّ يَفْعَلَ شَيْئاً مِمَّا ذُكِرَ ، فَيكُونُ جواباً لِسُؤالٍ مُقَدَّرٍ ؛ كأنَّهُ قيلَ : ألاَ تَعْجَبُ مِنْ حَالِ الذِين أوتُوا نَصِيباً من الكتاب ؟ فقيل : وما حَالُهم ؟ فقالَ : يؤمِنُون [ ويقولُونَ ، وهذان ]{[8262]} منافيان لحالهم .
والجِبْتُ : حَكَى القَفَّالُ ، وغيرهُ ، عَن بَعْضِ أهلِ اللُّغَةِ : وهو الجِبْسُُ ، بِالسِّينِ المُهْمَلَةِ ، أُبدلتْ تاءً ، كالنَّات ، والأكْيَاتِ ، وست ؛ في النَّاسِ ، والأكياسِ ، وسدس ، قال [ الرجز المشطور ]
. . . . . . . . . . . . . . شِرَارَ النَّاتِ *** لَيْسُوا بِأجْوَادٍ ولاَ أكْيَاتِ{[8263]}
والجبس : هو الذي لا خير عنده .
يُقالُ رَجِلٌ جِبس ، وجِبتٌ ، أيْ : رَذْلٌ ، قِيلَ : وإنما ادَّعَى قلبَ السِّين تاءً ؛ لأنَّ مَادَةَ ( ج ب ت ) مُهْمَلَةٌ . قَالَ{[8264]} قُطْرُبٌ : وغيرهُ يَجْعَلُها{[8265]} مَادَّةً مُسْتَقِلَّةً ، وقِيل : الجِبْتُ : السَّاحِرُ بلُغَةِ الحَبَشَةِ ، والطَّاغُوتُ : الكَاهِنُ ، قالهُ سعيدُ بنُ جُبَيْر ، وأبُو العَالِيَةِ{[8266]} ، وقال عِكْرمَةُ : هما صَنَمانِ{[8267]} ، وقال أبُو عُبَيْدَةَ : هُما كُلُّ مَعْبُودٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
وقال عُمَر : الجِبْتُ : السِّحْرُ ، والطاغُوتُ : الشَّيْطَانُ ؛ وهو قَوْلُ الشَّعْبِيِّ ، ومُجاهِدٍ{[8268]} ، وقال مُحمدُ بنُ سيرينََ ، ومَكْحُولٌ : الجِبْتُ : الكاهِنُ ، والطَّاغُوتُ : السَّاحِرُ{[8269]} ، ورُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ : الجِبْتُ : - بلسانِ الحبَشَةِ - : شَيْطَانٌ{[8270]} ، وقال الضَّحَّاكُ : الجبتُ : حُيَيُّ بنُ أخْطب ، والطَّاغُوتُ : كَعْبُ بنُ الأشْرَف{[8271]} ، وقِيل : الجبتُ كُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، والطاغوتُ : كُلُّ ما يُطْغي الإنْسانَ .
ورَوى قَبيصةُ : أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : العِيافَةُ : والطَّرْقُ ، والطِّيرةُ : مِنَ الجِبْتِ{[8272]} .
الطَّرْقُ : الزَّجْرُ ، والعِيَافَة{[8273]} : الحط
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.