اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ} (88)

قوله تعالى : { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلاً طَيِّباً } .

في نصب " حَلاَلاَ " : ثلاثة أوجه :

أظهرُها : أنه مفعولٌ به ، أي : كُلُوا شَيْئاً حلالاً ، [ وعلى هذا الوجه ، ففي الجَارِّ ، وهو قوله : " مِمَّا رَزَقَكُمْ " وجهان :

أحدهما : أنه حالٌ من " حَلاَلاً " ؛ ] لأنه في الأصل صفةٌ لنكرَةٍ ، فلمَّا قُدِّم عليها ، انتصبَ حالاً .

والثاني : أنَّ " مِنْ " لابتداء الغاية في الأكْل ، أي : ابتدِئُوا أكْلَكُمْ الحلالَ من الذي رزَقَهُ الله لكُمْ .

الوجه الثاني من الأوجه المتقدِّمة : أنه حالٌ من الموصول أو من عائده المحذوف ، أي : " رَزَقَكُمُوهُ " فالعاملُ فيه " رَزَقَكُمْ " .

الثالث : أنه نعتٌ لمصدرٍ محذوف ، أي : أكْلاً حلالاً ، وفيه تجوُّزٌ .

وقال : { كلوا مما رزقكم الله } ولَمْ يَقُلْ : ما رزقكم ؛ لأنَّ " مِنْ " للتَّبْعِيضِ ، فكأنَّه قال : اقْتَصِرُوا في الأكْلِ على البَعْضِ واصرفُوا البَقِيَّةَ إلى الصَّدقَاتِ والخَيْرَاتِ ، وأيضاً إرْشَاد إلى تَرْكِ الإسْرَاف ، كقوله : { وَلاَ تُسْرِفُواْ } [ الأعراف : 31 ] .

قال عبدُ الله بن المُبَارَك{[5]} - رضي الله عنه - : الحَلاَلُ ما أخَذْتَهُ من وجهه ، والطَّيِّبُ : ما غُذِّيَ وأنْمِي .

فأمَّا الجَوَامِدُ : كالطِّينِ والتُّرَابِ وما لا يُغذِّي ، فمكرُوه إلاَّ على وجْهِ التَّدَاوِي .

قالت عَائِشَة - رضي الله عنها - : " كان النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم - يُحِبُّ الحَلْوَاءَ والعَسَلَ " {[6]} .

قوله تعالى : " اتَّقُوا اللَّهَ " تأكيد للوصيَّةِ بما أمَرَ به ، وزادَهُ تَأكِيداً بقوله تعالى : { الَّذي أَنْتُم بِهِ مُؤْمِنُون } ؛ لأنَّ الإيمان به يُوجِبُ التَّقْوَى في الانْتِهَاء .


[5]:تقدم.
[6]:سقط من: ب.