اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (42)

لمَّا ذكر الوعيد أتْبَعَهُ بذكر الوعد ، فقوله : " والَّذينَ آمَنُوا " مبتدأ ، وفي خبره وجهان :

أحدهما : أنه الجملة من قوله : { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً } ، وعلى هذا فلا بدّ من عائد وهو مقدَّرٌ ، وتقديرُهُ ، نفساً منهم .

والثاني : هو الجملة من قوله : " أولَئِكَ أصْحَابُ " ، وتكون هذه الجملة المنفيَّة معترضة بينهما ، وهذا الوجه أعرب ، وإنَّمَا حسن وقوع هذا الاعتراض بين المبتدأ والخبر ؛ لأنَّهُ من جنس هذا الكلام ؛ لأنَّهُ لمَّا ذكر عملهم الصالح ذكر أنَّ ذلك العمل في وسعهم ، وغير خارج عن قدرتهم ، وفيه تَنْبِيهٌ للكفار على أنَّ الجنَّة مع عظم محلِّها يوصل إليها بالعَمَل السَّهْلِ من غير تحمل الصعب .

فصل في معنى قوله : " وسعها "

الوسعُ : ما يقدر الإنسان عليه في حال السِّعة والسُّهولة لا في حال الضّيق والشِّدَّة ، ويدلُّ عليه قول معاذِ بْنِ جبلٍ في هذه الآية : إلا يسرها لا عسرها{[16141]} .

وأمَّا أقصى الطَّاقة فلا يسمَّى وسعاً ، وغلط من قال : إن الوسع بذل المجهود .


[16141]:ينظر: تفسير الرازي 14/65.