مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ} (78)

قوله تعالى { قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم فلما جاءه السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون }

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى حكى عن فرعون وقومه أنهم لم يقبلوا دعوة موسى عليه السلام ، وعللوا عدم القبول بأمرين : الأول : قوله : { أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آبائنا } قال الواحدي : اللفت في أصل اللغة الصرف عن أمر ، وأصله أن يقال : لفت عنقه إذا لواها ، ومن هذا يقال : التفت إليه ، أي أمال وجهه إليه . قال الأزهري : لفت الشيء وفتله إذا لواه ، وهذا من المقلوب .

واعلم أن حاصل هذا الكلام أنهم قالوا : لا نترك الدين الذي نحن عليه ، لأنا وجدنا آبائنا عليه ، فقد تمسكوا بالتقليد ودفعوا الحجة الظاهرة بمجرد الإصرار .

والسبب الثاني : في عدم القبول قوله : { وتكون لكما الكبرياء في الأرض } قال المفسرون : المعنى ويكون لكما الملك والعز في أرض مصر ، والخطاب لموسى وهارون . قال الزجاج : سمى الملك كبرياء ، لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا ، وأيضا فالنبي إذا اعترف القوم بصدقه صارت مقاليد أمر أمته إليه ، فصار أكبر القوم .

واعلم أن السبب الأول : إشارة إلى التمسك بالتقليد ، والسبب الثاني : إشارة إلى الحرص على طلب الدنيا ، والجد في بقاء الرياسة ، ولما ذكر القوم هذين السببين صرحوا بالحكم وقالوا : { وما نحن لكما بمؤمنين } .