مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ} (3)

قوله تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت } اعلم أن الإنعام على قسمين ( أحدهما ) : دفع الضرر ( والثاني ) : جلب النفع والأول أهم وأقدم ، ولذلك قالوا : دفع الضرر عن النفس واجب أما جلب النفع [ فإنه ] غير واجب ، فلهذا السبب بين تعالى نعمة دفع الضرر في سورة الفيل ونعمة جلب النفع في هذه السورة ، ولما تقرر أن الإنعام لابد وأن يقابل بالشكر والعبودية ، لا جرم أتبع ذكر النعمة بطلب العبودية فقال : { فليعبدوا } وههنا مسائل :

المسألة الأولى : ذكرنا أن العبادة هي التذلل والخضوع للمعبود على غاية ما يكون . ثم قال بعضهم : أراد فليوحدوا رب هذا البيت لأنه هو الذي حفظ البيت دون الأوثان ، ولأن التوحيد مفتاح العبادات ، ومنهم من قال : المراد العبادات المتعلقة بأعمال الجوارح ثم ذكر كل قسم من أقسام العبادات ، والأولى حمله على الكل لأن اللفظ متناول للكل إلا ما أخرجه الدليل ، وفي الآية وجه آخر ، وهو أن يكون معنى فليعبدوا أي فليتركوا رحلة الشتاء والصيف وليشتغلوا بعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف ، ولعل تخصيص لفظ الرب تقرير لما قالوه لأبرهة : إن للبيت ربا سيحفظه ، ولم يعولوا في ذلك على الأصنام فلزمهم لإقرارهم أن لا يعبدوا سواه ، كأنه يقول : لما عولتم في الحفظ علي فاصرفوا العبادة والخدمة إلي .

المسألة الثانية : الإشارة إلى البيت في هذا النظم تفيد التعظيم فإنه سبحانه تارة أضاف العبد إلى نفسه فيقول : { يا عبادي } وتارة يضيف نفسه إلى العبد فيقول : { وإلهكم } كذا في البيت [ تارة ] يضيف نفسه إلى البيت وهو قوله : { فليعبدوا رب هذا البيت } وتارة يضيف البيت إلى نفسه فيقول : { طهرا بيتي }