نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ} (3)

ولما كان هذا التدبير لهم من الله كافياً لهمومهم الظاهرة بالغنى ، والباطنة بالأمن ، وكان شكر المنعم واجباً ، فإذا أنعم بما يفرغ المنعم عليه للشكر كان وجوبه عليه أعظم ، سبب عن الإنعام عليهم بذلك قوله : { فليعبدوا } أي قريش على سبيل الوجوب شكراً على هذه النعمة ، خاصة إن لم يشكروه على جميع نعمه التي لا تحصى ؛ لأنهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان ، وأبعدهم عن الكفران { رب هذا البيت * } أي الموجد له ، والمحسن إلى أهله بتربيتهم به ، وبحفظه من كل طاغ ، وتأثيره لأجل حرمته في كل باغ ، وبإذلال الجبابرة له ليكمل إحسانه إليهم ، وعطفه عليهم بإكمال إعزازه لهم في الدنيا والآخرة ، وجعل ما داموا عابدين له موصولاً بعز الآخرة ، فتتم النعمة وتكمل الرحمة ، والمراد به الكعبة ، عبر عنها بالإشارة تعظيماً إشارة إلى أن ما تقدم في السورة الماضية من المدافعة عنهم معروف أنه بسببه لا يحتاج إلى تصريح ، وأن ذلك جعله متصوراً في كل ذهن حاضراً مشاهداً لكل مخاطب ، وفي هذا التلويح من التعظيم ما ليس للتصريح .