مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (25)

واعلم أنه قد جرت العادة بأنه تعالى إذا ورد على الكافر أنواع الدلائل أتبعها بالقصص ، ليصير ذكرها مؤكدا لتلك الدلائل على ما قررنا هذا المعنى في مواضع كثيرة ، وفي هذه السورة ذكر أنواعا من القصص .

القصة الأولى

قصة نوح عليه السلام

قوله تعالى { ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم }

اعلم أنه تعالى قد بدأ بذكر هذه القصة في سورة يونس وقد أعادها في هذه السورة أيضا لما فيها من زوائد الفوائد وبدائع الحكم ، وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي { أني } بفتح الهمزة ، والمعنى : أرسلنا نوحا بأني لكم نذير مبين ، ومعناه أرسلناه ملتبسا بهذا الكلام وهو قوله : { أني لكم نذير مبين } فلما اتصل به حرف الجر وهو الباء فتح كما فتح في كان ، وأما سائر القراء فقرؤوا { إني } بالكسر على معنى قال { إني لكم نذير مبين } .

المسألة الثانية : قال بعضهم : المراد من النذير كونه مهددا للعصاة بالعقاب ، ومن المبين كونه مبينا ما أعد الله للمطيعين من الثواب ، والأولى أن يكون المعنى أنه نذير للعصاة من العقاب وأنه مبين بمعنى أنه بين ذلك الإنذار على الطريق الأكمل والبيان الأقوى الأظهر ، ثم بين تعالى أن ذلك الإنذار إنما حصل في النهي عن عبادة غير الله . وفي الأمر بعبادة الله لأن قوله : { أن لا تعبدوا إلا الله } استثناء من النفي وهو يوجب نفي غير المستثنى .

واعلم أن تقدير الآية كأنه تعالى قال ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بهذا الكلام وهو قوله : { إني لكم نذير مبين } .