الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (25)

وقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا } [ هود : 25 و26 و27 ] فيها تمثيلٌ لقريشٍ وكفَّار العرب ، وإِعلامٌ بأَن محمَّداً عليه السلام ليس بِبِدْعٍ من الرسل ، و«الأراذل » جَمْعُ الجمعِ ، فقيل : جمع أَرْذُلٍ ، وقيل : جَمْعُ أَرْذَالٍ ، وهم سِفْلَة النَّاسِ ، ومَنْ لا خَلاَقَ له ولا يبالِي ما يَقُولُ ، ولا ما يُقَالُ له ، وقرأ الجمهور : «بَادِيَ الرَّأْي » [ هود : 27 ] بباء دون همز من بَدَا يَبْدُو ، فيحتمل أنْ يتعلَّق «بَادِيَ الرَّأْي » ب«نَرَاكَ » ، أي : و{ نراك } بأولِ نَظَرٍ وأقلِّ فكرة ، وذلك هو بَادِي الرأيِ إِلاَّ ومتَّبِعُوكَ أراذلُنا ، ويحتمل أنْ يتعلق بقوله : «اتبعك » ، أيْ : وما نَرَاكَ اتبعك بَادِيَ الرَّأي إِلا الأراذلُ ، ثم يحتملُ علَى هذا قوله : { بَادِيَ الرأي } معنيين ، أحدهما : أَنْ يريدوا : اتبعك في ظاهر أمرهم ، وعسَى أنَّ بواطنهم ليستْ معك . والثاني : أن يريدوا : اتبعوك بأول نَظَرٍ ، وبالرأْيِ البادِي ، دون تثبُّت ، ويحتملُ أنْ يكون قولهم : { بَادِيَ الرأي } وصْفاً منهم لنوحٍ ، أي : تدَّعِي عظيماً وأَنْتَ مكشوفُ الرأْي ، لا حَصَافَة لك ، ونصبُهُ على الحالِ ، أو على الصفة ل«بَشَر » .