اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (25)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } الآية .

اعلم أنَّه جرت عادته - تعالى - في القرآن بأنَّهُ إذا أورد على الكافر الدَّلائل أتبعها بالقصص ليُؤكِّد تلك الدَّلائل ، وقد بدأ بذكر هذه القصَّة ليُؤكِّد تلك الدَّلائل ، وقد بدأ بذكر هذه القصَّة في سورة يونس ، وأعادها ههنا لما فيها من زوائد الفوائد .

قوله { إِنَّي لَكُمْ } قرأ ابنُ كثير{[18747]} وأبو عمرو والكسائي بفتح همزة " إني " ، والباقون بكسرها .

فأمَّا الفتحُ فعلى إضمارِ حرفِ الجرِّ ، أي : " بأنِّي لَكُمْ " .

قال الفارسيُّ : في قراءةِ الفتح خروجٌ من الغيبةِ إلى المخاطبةِ .

قال ابن عطيَّة : وفي هذا نظر ، وإنَّما هي حكايةُ مخاطبته لقومه ، وليس هذا حقيقة الخروج من غيبةٍ إلى مخاطبة ، ولو كان الكلامُ أن أنذرهم ونحوه لصحَّ ذلك .

وقد قال بهذه المقالة - أعني الالتفات - مكي - فإنَّهُ قال : الأصل : بأنِّي ، والجارُّ والمجرور في موضع المفعول الثاني ، وكان الأصلُ : أنَّهُ ، لكنَّهُ جاء على طريق الالفتات .

ولكن هذا الالتفات غيرُ الذي ذكره أبو علي ، فإنَّ ذلك من غيبة إلى خطابٍ ، وهذا من غيبةٍ إلى تكلم وكلاهما غير محتاج إليه ، وإن كان قولُ مكي أقربَ .

وقال الزمخشري{[18748]} : الجارُّ والمجرور صلةٌ لحالٍ محذوفة ، والمعنى : أرسلناه ملتبساً بهذا الكلام ، وهو قوله : { إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } بالكسر ، فلمَّا اتصل بها الجارُّ فُتِح كما فتح " كأنَّ " والمعنى على الكسر في قولك " إنَّ زيداً كالأسد " ، وأمَّا الكسرُ ، فعلى إضمار القول ، أي : فقال ، وكثيراً ما يُضْمر ، وهو غني عن الشَّواهد .

و " النذيرُ " قيل : المرادُ به كونه مهدداً للعصاة بالعقاب ، ومن المبين كونه مبيناً ما أعد الله للمطيعين من الثواب ، وأنه يبين ذلك الإنذار على أكمل طرقه ، ثم بيَّن تعالى أنَّ ذلك الإنذار إنما هو بنهيهم عن عبادة غير الله ، والأمر بعبادته - جل ذكره - ؛ لأنَّ قوله { أَن لاَّ تعبدوا إِلاَّ الله } استثناء من النَّهْي ، فهو يوجب نفي غير المستثنى ، وإيجاب المستثنى .


[18747]:ينظر: الحجة 4/315، وإعراب القراءات السبع 1/278 وحجة القراءات ص 337 والمحرر الوجيز 3/162 والبحر المحيط 5/214 والدر المصون 4/90.
[18748]:ينظر: الكشاف 2/387.