الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (25)

قوله تعالى : { إِنَّي لَكُمْ } : قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي " أني " بفتح الهمزة ، والباقون بكسرها . فأمَّا الفتح فعلى إضمار حرفِ الجر ، أي : بأني لكم . قال الفارسي : " في قراءة الفتح خروجٌ من الغَيْبة إلى المخاطبةِ " . قال ابن عطية : وفي هذا نظر ، وإنما هي حكايةُ مخاطبتهِ لقومه ، وليس هذا حقيقة الخروج من غَيْبةٍ إلى مخاطبة ، ولو كان الكلام أن أَنْذِرْهم ونحوه لصح ذلك " . وقد قال بهذه المقالة أعني الالتفات مكي فإنه قال : " الأصل : بأني والجارُّ والمجرور في موضع المفعول الثاني ، وكان الأصلُ : أنه ، لكنه جاء على طريقة الالتفات " . انتهى ، ولكن هذا الالتفاتَ غيرُ الذي ذكره أبو علي ، فإنَّ ذاك من غيبة إلى خطاب ، وهذا من غيبةٍ إلى تكلُّم ، وكلاهما غير محتاج إليه ، وإن كان قولُ مكي أقربَ .

وقال الزمخشري : " الجارُّ والمجرور صلةٌ لحالٍ محذوفة ، والمعنى : أرسلناه ملتبساً بهذا الكلام ، وهو قوله : { إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } بالكسر ، فلما اتصل به الجارُّ فُتِح كما فتح في " كأنَّ " والمعنى على الكسر في قولك : " إن زيداً كالأسد " . وأما الكسرُ فعلى إضمار القول ، وكثراً ما يُضْمر ، وهو غني عن الشواهد .