ثم قال تعالى : { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب } وفيه سؤالات :
السؤال الأول : ما الفائدة في ذكر هذا الكلام .
الجواب : أنه عليه السلام لما ادعى النبوة وتحدى بالمعجزة وهو علم الغيب قرن به كونه من أهل بيت النبوة ، وأن أباه وجده وجد أبيه كانوا أنبياء الله ورسله ، فإن الإنسان متى ادعى حرفة أبيه وجده لم يستبعد ذلك منه ، وأيضا فكما أن درجة إبراهيم عليه السلام وإسحاق ويعقوب كان أمرا مشهورا في الدنيا ، فإذا ظهر أنه ولدهم عظموه ونظروا إليه بعين الإجلال ، فكان انقيادهم له أتم وأثر قلوبهم بكلامه أكمل .
السؤال الثاني : لما كان نبيا فكيف قال : إني اتبعت ملة آبائي ، والنبي لا بد وأن يكون مختصا بشريعة نفسه .
قلنا : لعل مراده التوحيد الذي لم يتغير ، وأيضا لعله كان رسولا من عند الله ، إلا أنه كان على شريعة إبراهيم عليه السلام .
السؤال الثالث : لم قال : { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } وحال كل المكلفين كذلك ؟
والجواب : ليس المراد بقوله : { ما كان لنا } أنه حرم ذلك عليهم ، بل المراد أنه تعالى ظهر آباءه عن الكفر ، ونظيره قوله : { ما كان لله أن يتخذ من ولد } .
السؤال الرابع : ما الفائدة في قوله : { من شيء } .
الجواب : أن أصناف الشرك كثيرة ، فمنهم من يعبد الأصنام ، ومنهم من يعبد النار ، ومنهم من يعبد الكواكب ، ومنهم من يعبد العقل والنفس والطبيعة ، فقوله : { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } رد على كل هؤلاء الطوائف والفرق ، وإرشاد إلى الدين الحق ، وهو أنه لا موجد إلا الله ولا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله .
ثم قال : { ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس } وفيه مسألة . وهي أنه قال : { ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } .
ثم قال : { ذلك من فضل الله } فقوله : { ذلك } إشارة إلى ما تقدم من عدم الإشراك ، فهذا يدل على أن عدم الإشراك وحصول الإيمان من الله . ثم بين أن الأمر كذلك في حقه بعينه ، وفي حق الناس . ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون ، ويجب أن يكون المراد أنهم لا يشكرون الله على نعمة الإيمان ، حكي أن واحدا من أهل السنة دخل على بشر بن المعتمر ، وقال : هل تشكر الله على الإيمان أم لا . فإن قلت : لا ، فقد خالفت الإجماع ، وإن شكرته فكيف تشكره على ما ليس فعلا له ، فقال له بشر إنا نشكره على أنه تعالى أعطانا القدرة والعقل والآلة ، فيجب علينا أن نشكره على إعطاء القدرة والآلة ، فأما أن نشكره على الإيمان مع أن الإيمان ليس فعلا له ، فذلك باطل ، وصعب الكلام على بشر ، فدخل عليهم ثمامة بن الأشرس وقال : إنا لا نشكر الله على الإيمان ، بل الله يشكرنا عليه كما قال : { أولئك كان سعيهم مشكورا } فقال بشر : لما صعب الكلام سهل .
واعلم أن الذين ألزمه ثمامة باطل بنص هذه الآية ، وذلك لأنه تعالى بين أن عدم الإشراك من فضل الله ، ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون هذه النعمة ، وإنما ذكره على سبيل الذم فدل هذا على أنه يجب على كل مؤمن أن يشكر الله تعالى على نعمة الإيمان وحينئذ تقوى الحجة وتكمل الدلالة . قال القاضي قوله : { ذلك } إن جعلناه إشارة إلى التمسك بالتوحيد فهو من فضل الله تعالى لأنه إنما حصل بألطافه وتسهيله ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى النبوة .
والجواب : أن ذلك إشارة إلى المذكور السابق ، وذاك هو ترك الإشراك فوجب أن يكون ترك الإشراك من فضل الله تعالى ، والقاضي يصرفه إلى الألطاف والتسهيل ، فكان هذا تركا للظاهر وأما صرفه إلى النبوة فبعيد ، لأن اللفظ الدال على الإشارة يجب صرفه إلى أقرب المذكورات وهو ههنا عدم الإشراك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.