نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

ثم اتبع{[41324]} ذلك بما يدل على شرف أصله وقدم{[41325]} فضله بأنه من بيت النبوة ومعدن الفتوة ، ليكون ذلك أدعى إلى قبول كلامه وإصابة سهامه وإفضاء مرامه{[41326]} ، {[41327]} فقال : { واتبعت } أي بغاية جهدي ورغبتي { ملة آباءي إبراهيم } خليل الله ، وهو جد أبيه { وإسحاق } ابنه نبي الله وهو جده { ويعقوب } أبيه إسرائيل : الله . وهو أبوه حقيقة ، وتلك هي الحنيفية{[41328]} السمحة التي هي الميل مع الدليل من غير جمود مع هوى بوجه من الوجوه ؛ روى البخاري في التفسير{[41329]} وغيره{[41330]} عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيّ الناس أكرم ؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله : ابن خليل الله ، قالوا : ليس عن{[41331]} هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله{[41332]} ابن نبي الله{[41333]} : ابن خليل الله ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال-{[41334]} : فعن{[41335]} معادن العرب تسألوني{[41336]} ؟ قالوا : نعم ، قال : فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " فكأنه قيل : ما تلك الملة ؟ فقال : { ما كان لنا } أي ما صح وما استقام بوجه من الوجوه ، لما عندنا من نور العلم الذي لم يدع عندنا لبساً بوجه أصلاً { أن نشرك } أي نجدد في وقت ما شيئاً من إشراك { بالله } أي الذي له الأمر كله ، وأعرق في النفي فقال{[41337]} : { من شيء } أي بما شرعه لنا من الدين القويم كانت ملتنا التوحيد ، ومن التأكيد{[41338]} العموم في سياق النفي ، ليعم ذلك كل شيء من عاقل ملك أو إنسي أو جنى أو غيره ؛ ثم علل ذلك بما يعرف به أنه كما وجب عليهم ذلك وجب على كل أحد فقال : { ذلك } أي كان هذا الانتفاء أو ذلك التشريع - للملة الحنيفية وتسهيلها وجعل الفطرة{[41339]} الأولى منقادة لها مقبلة عليها - العلي الشأن العظيم المقدار { من } أجل { فضل الله } أي المحيط بالجلال والإكرام { علينا } خاصة { وعلى الناس } الذين هم إخواننا في النسب عامة ، فنحن وبعض الناس شكرنا الله ، فقبلنا ما تفضل به علينا ، فلم نشرك به شيئاً ؛ والفضل : النفع الزائد على مقدار الواجب ، فكل عطاء الله فضل ، فإنه لا واجب عليه ، فكان لذلك واجباً على كل أحد إخلاص التوحيد له شكراً على فضله لما تظافر عليه دليلاً{[41340]} العقل والنقل من أن شكر المنعم واجب { ولكن أكثر الناس } أي{[41341]} لما لهم من الاضطراب{[41342]} مع الهوى{[41343]} عموا عن هذا الواجب{[41344]} ، فهم { لا يشكرون * } فضله بإخلاص العمل له ويشركون به{[41345]} إكراهاً لفطرهم الأولى ، فالآية من الاحتباك : ذكر نفي الشرك أولاً يدل على وجوده ثانياً ، وذكر نفي الشكر ثانياً يدل على حذف إثباته أولاً .


[41324]:زيد من ظ و م ومد.
[41325]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: قد.
[41326]:زيد من ظ و م ومد.
[41327]:زيد من ظ و م ومد.
[41328]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الحنفية.
[41329]:باب قوله "لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين".
[41330]:كتاب الأنبياء.
[41331]:من م ومد والصحيح، وفي الأصل و ظ: بمن.
[41332]:ليس ما بين الرقمين في م ومد.
[41333]:ليس ما بين الرقمين في م ومد.
[41334]:زيد ما بين الحاجزين من م ومد والصحيح.
[41335]:من ظ و م والصحيح، وفي الأصل ومد: فعز.
[41336]:من م والصحيح، وفي الأصل و ظ ومد: يسألوني.
[41337]:زيد من م ومد.
[41338]:في م: لتأكيد.
[41339]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: الفطرة.
[41340]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: دليلان.
[41341]:زيد من م.
[41342]:سقط ما بين الرقمين من م، وفي مد: من الهوى.
[41343]:سقط ما بين الرقمين من م، وفي مد: من الهوى.
[41344]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: الجواب.
[41345]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يشكرون.