البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

واتبعت ملة الأنبياء ، وهي الملة الحنيفية .

وهؤلاء الذين لا يؤمنون هم أهل مصر ، ومن كان الفتيان على دينهم .

ونبه على أصلين عظيمين وهما : الإيمان بالله ، والإيمان بدار الجزاء ، وكررهم على سبيل التوكيد وحسن ذلك الفصل .

وقال الزمخشري : وتكريرهم للدلالة على أنهم خصوصاً كافرون بالآخرة ، وأن غيرهم مؤمنون بها .

ولتوكيد كفرهم بالجزاء تنبيهاً على ما هم عليه من الظلم والكبائر التي لا يرتكبها إلا من هو كافر بدار الجزاء انتهى .

وليست عندنا هم تدل على الخصوص ، وباقي ألفاظه ألفاظ المعتزلة .

ولما ذكر أنه رفض ملة أولئك ذكر اتباعه ملة آبائه ليريهما أنه من بيت النبوة ، بعد أن عرفهما أنه نبي ، بما ذكر من إخباره بالغيوب لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه واتباع قوله .

وقرأ الأشهب العقيلي والكوفيون : آبائي بإسكان الياء ، وهي مروية عن أبي عمرو .

ما كان لنا ما صح ولا استقام لنا معشر الأنبياء أن نشرك بالله من شيء عموم في الملك والجني والإنسيّ ، فكيف بالصنم الذي لا يسمع ولا يبصر ؟ فشيء يراد به المشرك .

ويجوز أن يراد به المصدر أي : من شيء من الإشراك ، فيعم الإشراك ، ويلزم عموم متعلقاته .

ومن زائدة لأنها في حيز النفي ، إذ المعنى : ما نشرك بالله شيئاً ، والإشارة بذلك إلى شركهم وملتهم أي : ذلك الدين والشرع الحنيفي الذي انتفى فيه الإشراك بالله ، ومن فضل الله علينا أي : على الرسل ، إذ خصوا بأن كانوا وسائط بين الله وعباده .

وعلى الناس أي : على المرسل إليهم ، إذ يساقون به إلى النجاة حيث أرشدوهم اليه .

وقوله : لا يشكرون أي : لا يشكرون فضل الله فيشركون ولا ينتبهون .

وقيل : ذلك من فضل الله علينا ، لأنه نصب لنا الأدلة التي ننظر فيها ونستدل بها ، وقد نصب مثل ذلك لسائر الناس من غير تفاوت ، ولكن أكثر الناس لا ينظرون ولا يشكرون اتباعاً لأهوائهم ، فيبقون كافرين غير شاكرين .