مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَأُدۡخِلَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡۖ تَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٌ} (23)

قوله تعالى { وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام } وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما بالغ في شرح أحوال الأشقياء من الوجوه الكثيرة ، شرح أحوال السعداء ، وقد عرفت أن الثواب يجب أن يكون منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم ، فالمنفعة الخالصة إليها الإشارة بقوله تعالى : { وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } وكونها دائمة أشير إليه بقوله : { خالدين فيها } والتعظيم حصل من وجهين : أحدهما : أن تلك المنافع إنما حصلت بإذن الله تعالى وأمره . والثاني : قوله : { تحيتهم فيها سلام } لأن بعضهم يحيي بعضا بهذه الكلمة ، والملائكة يحيونهم بها كما قال : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم } والرب الرحيم يحييهم أيضا بهذه الكلمة كما قال : { سلام قولا من رب رحيم } .

واعلم أن السلام مشتق من السلامة وإلا ظهر أن المراد أنهم سلموا من آفات الدنيا وحسراتها أو فنون آلامها وأسقامها ، وأنواع غمومها وهمومها ، وما أصدق ما قالوا ، فإن السلامة من محن عالم الأجسام الكائنة الفاسدة من أعظم النعم ، لا سيما إذا حصل بعد الخلاص منها الفوز بالبهجة الروحانية والسعادة الملكية .

المسألة الثانية : قرأ الحسن : { وأدخل الذين آمنوا } على معنى وأدخلهم أنا ، وعلى هذه القراءة فقوله : { بإذن ربهم } متعلق بما بعده ، أي تحيتهم فيها سلام بإذن ربهم . يعني : أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم .