اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأُدۡخِلَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡۖ تَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٌ} (23)

قوله تعالى : { وَأُدْخِلَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } الآية لما شرح حال الأشقياء شرح أحوال السُّعداءِ فقال -عزَّ وجلَّ- { وَأُدْخِلَ الذين آمَنُواْ } قرأ العامة " أدْخِلَ " ماضياً مبنياً للمفعول ، والفاعل الله أو الملائكة .

وقرأ الحسن{[19251]} وعمرو بن عبيد : " أدخلُ " مضارعاً مستنداً للمتكلم وهو الله -تعالى- فمحل الموصول على الأولى رفع ، وعلى الثانية نصبٌ .

قوله : { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } في قراءة العامة يتعلق ب " أدْخِلَ " أي : أدخلوا بأمره ، وتيسيره .

ويجوز تعلقه بمحذوف على أنَّه حال ، أي : ملتبسين بأمر ربهم .

وجوز أبو البقاء{[19252]} ِأن يكون من تمام : " خَالِدينَ " يعني : أنه متعلق به ، وليس بممتنع ، وكذا على قراءة الشَّيخين .

فقال الزمخشريُّ : فإن قلت : " فَبِمَ يتعلَّق في القراءةِ الأخرى ، وقولك : وأدخل أنا بإذن ربهم كلام غير ملتئم ؟ .

قلت : الوجه في هذه القراءة أنَّه يتعلق بما بعده ، أي : تحيتهم فيها سلام بإذنِ ربهم " .

ورد عليه أبو حيَّان{[19253]} هذا بأنه لا يتقدم معمول المصدر عليه .

وقد علقه غير الزمخشريِّ ب " أدْخِلَ " ، ولا تنافر في ذلك ؛ لأنَّ كلَّ أحد يعلم أنَّ المتكلم في قوله : " وأدْخِلَ " أنه هو الله -تعالى- .

وأحسن من هذين أن يتعلق بما بعده ، أي : تحيتهم فيها سلامٌ بإذن ربهم ورد في هذه القراءة بمحذوف على أنَّه حال كما تقدَّم تقديره .

و " تَحِيَّتُهُمْ " مصدر مضاف لمفعوله ، أي : يحييهم الله تعالى ، أو ملائكته ، ويجوز أن يكون مضافاً لفاعله ، أي : يحيى بعضهم بعضاً .

ويعضد الأول { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } و{ فِيهَا } [ الرعد : 23 ، 24 ] متعلق به .

فصل

اعلم أنَّ الثَّواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم ، فأشار بقوله تعالى : { وَأُدْخِلَ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } إلى المنفعة الخالصة وأشار بقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا } إلى دوامها ، وأشار إلى كونها مقرونة بالتعظيم بقوله { بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } أي : بإذن الله وأمره ، وبقوله -عزَّ وجلَّ- { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [ يونس : 10 ] أي : أنهم يحيى بعضهم بعضاً بهذه الكلمة ، أو الملائكة يحيونهم بها ، كما قال تعالى : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23 ، 24 ] والرَّب الرحيم أيضاً يحييهم [ بهذه الكلمة ]{[19254]} { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] والسلام مشتق من السلامة ، أي : أنهم سلموا من آفات الدنيا آمنوا من أمراضها وأسقامها .


[19251]:ينظر: الكشاف 2/552، والمحرر الوجيز 3/334 والبحر المحيط 5/410 والدر المصون 4/266.
[19252]:ينظر: الإملاء 2/68.
[19253]:ينظر: البحر المحيط 5/410.
[19254]:في ب: بهذا الكلام.