السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأُدۡخِلَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡۖ تَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٌ} (23)

ولما بالغ سبحانه وتعالى في شرح حال الأشقياء من الوجوه الكثيرة شرح أحوال السعداء ، وما أعد لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل ، وذلك أنّ الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم ، فالمنفعة الخالصة إليها الإشارة بقوله تعالى : { وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار } وكونها دائمة أشير إليها بقوله تعالى : { خالدين فيها } وهو حال مقدرة ، والتعظيم حصل لهم من وجهين : أحدهما : قوله تعالى : { بإذن ربهم } ؛ لأنّ تلك المنافع إنما كانت تفضلاً من الله تعالى وإنعاماً . والثاني : قوله تعالى : { تحيتهم فيها سلام } ؛ لأنّ بعضهم يحيى بعضاً بهذه الكلمة والملائكة يحيونهم بها كما قال تعالى : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب 23 سلام عليكم } [ الرعد : 23 ، 24 ] والرب يحييهم أيضاً بهذه التحية كما قال تعالى : { سلام قولاً من رب رحيم } [ يس ، 58 ] ويحتمل أن يكون المراد أنهم لما دخلوا الجنة سلموا من جميع آفات الدنيا وحسراتها وفنون آلامها وأسقامها وأنواع همومها وغمومها ؛ لأنّ السلام مشتق من السلامة .