{ وَأُدْخِلَ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار خاالدين فِيهَا } بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم . وأنت تعلم أنه إذا اعتبرت هذه القراءة مؤيدة لهذا القول فلتعتبر قراءة الجمهور { ادخل } بصيغة الماضي المبني للمفعول مؤيدة لما قبله فإن المدخلين الملائكة عليهم السلام فتأمل ، وكأن الله تعالى لما جمع الفريقين في قوله سبحانه : { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا } [ إبراهيم : 21 ] وذكر شيئاً من أحوال الكفار ذكر ما آل إليه أمر المؤمنين من إدخالهم الجنة { بِإِذْنِ رَبّهِمْ } أي بأمره سبحانه أو بتوفيقه وهدايته جل شأنه ، والجار والمجرور متعلق بأدخل على قراءة الجمهور . وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم إظهار مزيد اللطف بهم ، وعلقه جماعة على القراءة الأخرى بقوله تعالى : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام } أي يحييهم الملائكة بالسلام بإذن ربهم . وتعقب ذلك أبو حيان بأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل بحرف مصدري وفعل عليه وهو غير جائز لما أن ذلك في حكم تقديم جزء من الشيء المرتب الأجزاء عليه . ورد بأن الظاهر أنه هنا غير منحل إليهما لأنه ليس المعنى المقصود منه أن يحيوا فيها بسلام ، ولو سلم فمراد القائل بالتعلق التعلق المعنوي فالعالم فيه فعل مقدر يدل عليه { تَحِيَّتُهُمْ } أي يحيون بإذن ربهم .
وقال العلامة الثاني : الأظهر أن التقديم جائز إذا كان المعمول ظرفاً أو شبهه وهو في الكلام كثير ، والتقدير تكلف ، وليس كل مؤول بشيء حكمه حكم ما أول به ، مع أن الظرف مما يكفيه رائحة من الفعل لأن له شأناً ليس لغيره لتنزله من الشيء منزلة نفسه لوقوعه فيه وعدم انفكاكه عنه ، ولهذا اتسع في الظروف ما لم يتسع في غيرها اه ، وبالجواز أقول ، وإنما لم يجعله المحققون متعلقاً بأدخل على تلك القراءة مع أنه سالم من الاعتراض ومشتمل على الالتفات أو التجريد وهو من المحسنات لأن قولك : أدخلته بإذني ركيك لا يناسب بلاغة التنزيل ، والالتفات أو التجريد حاصل إذا علق بما بعده أيضاً .
وفي الانتصاف الصارف عن هذا الوجه هو أن ظاهر { ادخل } بلفظ المتكلم يشعر بأن إدخالهم الجنة لم يكن بواسطة بل من الله تعالى مباشرة وظاهر الإذن يشعر بإضافة الدخول إلى الواسطة فبينهما تنافر ، واستحسن أن يعلق بخالدين والخلود غير الدخول فلا تنافر ، وتعقبه في «الكشف » بأن ذلك لا يدفع الركاكة وكأنه لما أن الأذن للدخول لا للاستمرار بحسب الظاهر ، وكون المراد بمشيئتي وتيسيري لا يدفع ذلك عند التأمل الصادق ، فما ذهب إليه ابن جني واستطيبه الشيخ الطيبي وارتضاه ليس بشيء لمن سلم له ذوقه .
( ومن باب الإشارة ) :{ وَأُدْخِلَ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار خالدين فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام } [ إبراهيم : 23 ] لم يذكر من يحييهم ، وقد ذكروا أن منهم من يحييهم ربهم وهم أهل الصفة والقربة ، ومنهم من يحييهم الملائكة وهم أهل الطاعات والدرجات ، وما أطيب سلام المحبوب على محبه وما ألذه على قلبه :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.