البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ} (45)

وسكنتم إن كان من السكون ، فالمعنى : أنهم قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين بسيرة من قبلهم في الظلم والفساد ، لا يحدثونها بما لقي الظالمون قبلهم .

وإن كان من السكنى ، فإنّ السكنى من السكون الذي هو اللبث ، والأصل تعديته بفي كما يقال : أقام في الدار وقر فيها ، ولكنه لما أطلق على سكون خاص تصرف فيه ، فقيل : سكن الدار كما قيل : تبوأها ، وتبين لكم بالخبر وبالمشاهدة ما فعلنا بهم من الهلاك والانتقام .

وقرأ الجمهور : وتبين فعلاً ماضياً ، وفاعله مضمر يدل عليه الكلام أي : وتبين لكم هو أي حالهم ، ولا يجوز أن يكون الفاعل كيف ، لأنّ كيف إنما تأتي اسم استفهام أو شرط ، وكلاهما لا يعمل فيه ما قبله ، إلا ما روي شاذاً من دخول ( على ) على كيف في قولهم : على كيف تبيع الأحمرين ، وإلى في قولهم : أنظر إلى كيف تصنع ، وإنما كيف هنا سؤال عن حال في موضع نصب بفعلنا .

وقرأ السلمي فيما حكى عنه أبو عمرو الداني : ونبين بضم النون ، ورفع النون الأخيرة مضارع بين ، وحكاها صاحب اللوامح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وذلك على إضمار ونحن نبين ، والجملة حالية .

وقال المهدوي عن السلمي : إنه قرأ كذلك ، إلا أنه جزم النون عطفاً على أو لم تكونوا أي : ولم نبين فهو مشارك في التقرير .

وضربنا لكم الأمثال أي : صفات ما فعلوا وما فعل بهم ، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم .