الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ} (45)

قوله تعالى : { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَكِنِ } : أصلُ " سَكَن " التعدِّي ب " في " كما في هذه الآيةِ ، وقد يتعدَّى بنفسه . قال الزمخشريُّ : " السُّكْنَى مِن السكونِ الذي هو اللُّبْث ، وأصلُ تَعَدِّيه ب " في " كقولك : قَرَّ/ في الدارِ ، وأقامَ فيها ، وغَنِي فيها ، ولكنه لمَّا نُقِل إلى سكونٍ خاص تصَرَّفَ فيه ، فقيل : " سَكَنَ الدارَ " كما قيل : تبوَّأَها وأَوْطَنها ، ويجوز ان يكونَ مِن السُّكون ، اي : قَرُّوا فيها واطمأنُّوا " .

قوله : " وتَبَيَّنَ " فاعلُه مضمرٌ لدلالةِ الكلامِ عليه ، [ أي ] : حالُهم وخبرُهم وهلاكُهم . و " كيف " نَصْبٌ بفَعَلْنا ، وجملةُ الاستفهامِ ليست معمولةً ل " تَبَيَّن " ؛ لأنه من الأفعال التي لا تُعَلَّق ، ولا جائزٌ أن يكونَ " كيف " فاعلاً ، ؛ لأنها : إمَّا شرطيةٌ أو استفهاميةٌ ، وكلاهما لا يعمل فيه ما تقدَّمه ، والفاعلُ لا يتقدَّم عندنا .

وقال بعض الكوفيين : " إنَّ جملةَ " كيف فَعَلْنا " هو الفاعلُ " ، وهم يُجيزون أن تكونَ الجملةُ فاعلاً ، وقد تقدم هذا قريباً في قوله تعالى :

{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ } [ يوسف : 35 ] .

والعامَّةُ على " تَبَيَّن " فعلاً ماضياً . وقرأ عمر لن الخطاب والسُّلَمي في روايةٍ عنه : " ونُبَيِّنَ " بضمِّ النونِ الأولى والثانية ، مضارع " بَيَّن " ، وهو خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، والجملةُ حالٌ ، أي : ونحنُ نبيِّن . وقرأ السُّلَميُّ - فيما نقل المهدويُّ - كذلك إلاَّ أنه سَكَّن النونَ للجزمِ نَسَقاً على " تكونوا " ، فيكونُ داخلاً في حيِّز التقدير .