تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ} (45)

الآية 45 : وقوله تعالى : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } بتكذيبهم الرسل . وتأويله ، والله أعلم ، أنهم كانوا يطلبون من ربهم الرد إلى حال الأمن ليجيبوا ( داعيه ){[9723]} بقولهم : { ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل } والله أعلم ، فقال : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } بتكذيبهم الرسل ، أي سكنتم في الدنيا في مثل منازلهم ومساكنهم ، فرأيتم ما نزل بأولئك الذين صنعوا مثل صنيعكم ذلك .

وقوله تعالى : { وتبين لكم كيف فعلنا بهم } من التعذيب والاستئصال ، ثم لم يتعظوا بما حل بهم .

فعلى ذلك إذا رددتم إلى حال الأمن لا تتعظون بما حل بكم في هذه الحال ، وهو ما قال : { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } ( الأنعام : 28 ) في ما يقولون : إنهم يجيبون دعوته . هذا ، والله أعلم ، تأويله .

وقال بعض أهل التأويل : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } أي عملتم أعمالهم ، وتبين لكم كيف فعلنا بهم من الاستئصال بالتكذيب بتكذيبهم الرسل ، فلم يتعظوا بذلك ، فلا تتعظون بهذا أيضا إذا رددتم ، والله أعلم .

وفي قوله تعالى : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } إلى آخر ما ذكر دلالة لزوم النظر والاستدلال ولزوم القياس ، ودلالة لزوم العقوبة ، وإن كانوا لم يعلموا به بعد أن مكنوا من العلم به .

أما دلالة النظر والاستدلال فهي {[9724]} قوله : { وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم } فهلا نظرتم ما حل بهم من تكذيبهم الرسل ، واتعظتم به .

ودلالة القياس هو ما خوفهم أن ينزل بهم ما نزل بأولئك ، لأنهم اشتركوا في المعنى الذي نزل بأولئك ؛ ما نزل هو بتكذيبهم الرسل ، وسوء معاملتهم إياهم .

وقوله تعالى : { وضربنا لكم الأمثال } أي قد بينا لكم الأمثال ، والأشباه ما يعرفكم لو تأملتم أن أولئك ، لكم أشباه وأمثال ، وصنيعهم لصنيعكم أشباه وأمثال ، فينزل بكم ما نزل بهم ، والله أعلم .


[9723]:ساقطة من الأصل وم.
[9724]:في الأصل وم: هو.