اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَسَكَنتُمۡ فِي مَسَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَتَبَيَّنَ لَكُمۡ كَيۡفَ فَعَلۡنَا بِهِمۡ وَضَرَبۡنَا لَكُمُ ٱلۡأَمۡثَالَ} (45)

قوله : { وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُمْ } وأصل " سَكَنَ " التَّعدي ب " في " كما في هذه الآية ، وقد يتعدى بنفسه .

قال الزمخشريُّ : " السكنى من السكونِ الذي هو اللَّبثُ ، من الأصل تعديه ب " في " كقولك : قرَّ في الدَّارِ وأقام فيِهَا ، ولكنَّه لما نقل إلى سكون خاص تصرف فيه ، فقيل : سكن الدَّار كما قيل : تَبَوَّأها ، وأوطنَها ، ويجوز أن يكون من السُّكونِ ، أي : قرُّوا فيها واطمأنُوا " .

والمعنى : وسكنتم في مساكن الذين كفورا قبلكم كقوم نوح ، وعادٍ ، وثمود و : { ظلموا أَنفُسَهُمْ } بالكفر ؛ لأن من شاهد هذه الحال ؛ وجب عليه أنّ يعتبر ، وإذا لم يعتبر يستوجب الذَّم والتقريع .

قوله : " وتَبيَّنَ لَكُمْ " فاعله مضمر لدلالة الكلام عليه ، أي حالهم وخبرهم وهلاكهم ، و " كَيْفَ " نصب ب " فَعلْنَا " وحملة الاستفهام ليست معمولة ل " تَبيَّنَ " ؛ لأنه من الأفعال التي لا تعلق ، ولا جائز أن يكون : " كَيْفَ " فاعلاً ؛ لأنَّها إمَّا شرطية ، أو استفهامية وكلاهما لا يعمل فيه ما تقدمه ، والفاعل لا يتقدَّم عندنا .

وقال بعض الكوفيين : إنَّ جملة : " كَيْفَ فَعلْنَا " هو الفاعل ، وهم يجيزون أن تكون الجملة فاعلاً ، وقد تقدَّم هذا في قوله : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ } [ يوسف : 35 ] .

والعامة على " تَبيَّنَ " فعلاً ماضياً ، وقرأ عمر{[19368]} بن الخطاب ، والسلمي -رضي الله عنهما- في رواية عنهما : " ونُبيِّنُ " بضمِّ النون الأولى والثانية ، مضارع : " بيَّن " ، وهو خبر مبتدأ مضمر ، والجملة حالٌ ، أي : ونحن نبين .

وقرأ السلمي فيما نقل المهدويُّ{[19369]} كذلك إلا أنه سكن النون للجزم نسقاً على " تَكُونُوا " فيكون داخلاً في حيز التقدير .

فصل

والمعنى : عرفتم عقوبتنا إياهم ، وضربنا لكم الأمثال في القرآن ممَّا يعلم به أنَّه قادر على الإعادة كما قدر على الابتداء ، وقادر على التَّعذيب المؤجَّل كما يفعل الهلاك المعجَّل .


[19368]:ينظر: البحر المحيط 5/425، والدر المصون 4/279.
[19369]:ينظر: المحرر الوجيز 3/345 والبحر المحيط 5/425 والدر المصون 4/179.