ثم إنه –تعالى- أجاب عن شبهتهم بقوله : { مَا نُنَزِّلُ الملائكة إِلاَّ بالحق وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } فإذا كان المراد الأول ، كان تقرير الجواب : أنَّ إنزال الملائكة لا يكون إلا بالحقِّ ، وقد علم الله تعالى من حال هؤلاء الكفار ، أنه لو أنزل عليهم ملائكة ، لبقوا مصرِّين على كفرهم ، فيصير إنزالهم عبثاً باطلاً ، ولا يكون حقًّا ، فلهذا السبب ما أنزل الله –تعالى- الملائكة .
قال المفسرون : المراد بالحق –هنا- الموت ، أي : لا ينزلون إلا بالموتِ ، أو بعذاب الاستئصال ، ولم يبق بعد نزولهم إنظارٌ ، ولا إمهال ، ونحن لا نريد عذاب الاستئصال بهذه الأمة ؛ فلهذا السبب ما أنزلنا الملائكة ، وإن كان المراد استعجالهم بنزول العذاب فتقرير الجواب : أنَّ الملائكة لا تنزل إلاَّ بعذاب الاستئصال ، ولا تفعل بأمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ذلك ؛ بل يمهلهم لما علم من إيمان بعضهم ، ومن إيمان أولاد الباقين .
قوله : { مَا نُنَزِّلُ الملائكة } ، قرأ أبو بكر{[19454]} -رضي الله عنه- : " ما تُنزَّلُ " بضمِّ التاء ، وفتح النون ، والزاي مشدَّدة ، مبنيًّا للمفعول ، " المَلائِكةُ " : مرفوعاً لقيامه مقام فاعله ، وهو موافقٌ لقوله تعالى : { وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلاً } [ الفرقان : 25 ] ؛ لأنها لا تنزل إلاَّ بأمر من الله –تعالى- فغيرها هو المنزِّلُ لها ، وهو الله –تعالى- .
وقرأ الأخوان ، وحفص : بضمِّ النون الأولى ، وفتح الثانية ، وكسر الزاي مشددة مبنيًّا للفاعل المعظم نفسه وهو الباري -جل ذكره- . " المَلائِكةَ " ، نصباً : مفعول به ؛ وهو موافق لقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة } [ الأنعام : 111 ] ، ويناسب قوله قبل ذلك : " ومَا أهْلَكْنَا " ، وقوله بعده : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا } [ الحجر : 9 ] ، وما بعده من ألفاظ التَّعظيم .
والباقون من السبعة ما تنزَّلُ بفتح التاء{[19455]} والنون والزاي مشددة ، و " المَلائِكةُ " مرفوعة على الفاعلية ، والأصل : تَتنَزَّلُ ، بتاءين ، فحذفت إحداهما ، وقد تقدم تقريره في : { تَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 152 ] ، ونحوه ، وهو موافق لقوله سبحانه وتعالى : { تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا } [ القدر : 4 ] .
وقرأ زيد بن علي : " مَا نَزلَ " مخففاً مبنيًّا للفاعل ، و " الملائكةُ " مرفوعة على الفاعلية ، وهو كقوله : { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين } [ الشعراء : 193 ] .
قوله : { إِلاَّ بالحق } يجوز تعلقه بالفعل قبله ، أو بمحذوف على أنه حالٌ من الفاعل أو المفعول ، أي : ملتبسين بالحق ، وجعله الزمخشري -رحمه الله- نعتاً لمصدر محذوف ، أي : إلاَّ تنزُّلاً ملتبساً بالحقِّ .
قوله " إذَنْ " قال الزمخشري{[19456]} : " إذَنْ حرف جواب وجزاء ؛ لأنها جواب لهم ، وجزاء الشرط مقدر ، تقديره : ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين ، وما أخر عذابهم " .
قال صاحب النظم : " لفظة " إذَنْ " مركبة من " إذْ " ، وهو اسم بمنزلة " حِينَ " ؛ تقول : أتيتك إذْ جِئْتنِي ، أي : حِينَ جِئْتنِي ، ثم ضم إليه " إنْ " فصار : ِإذْ أنْ ، ثم استثقلوا الهمزة ؛ فحذفوها ، فصار " إذَنْ " ، ومجيْ لفظة " أنْ " دليل على إضمار فعلٍ بعدها ، والتقدير : وما كانوا منظرين إذ كان ما طلبوا " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.