مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (93)

قوله تعالى { ولو شاء لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون }

اعلم أنه تعالى لما كلف القوم بالوفاء بالعهد وتحريم نقضه ، أتبعه ببيان أنه تعالى قادر على أن يجمعهم على هذا الوفاء وعلى سائر أبواب الإيمان ، ولكنه سبحانه بحكم الإلهية يضل من يشاء ويهدي من يشاء . أما المعتزلة : فإنهم حملوا ذلك على الإلجاء ، أي لو أراد أن يلجئهم إلى الإيمان أو إلى الكفر لقدر عليه ، إلا أن ذلك يبطل التكليف ، فلا جرم ما ألجأهم إليه وفوض الأمر إلى اختيارهم في هذه التكاليف ، وأما قول أصحابنا فيه فهو ظاهر ، وهذه المناظرة قد تكررت مرارا كثيرة ، وروى الواحدي أن عزيرا قال : يا رب خلقت الخلق فتضل من تشاء وتهدي من تشاء ، فقال الله تعالى : يا عزير أعرض عن هذا ، فأعاده ثانيا : فقال : أعرض عن هذا ، فأعاده ثالثا ، فقال : أعرض عن هذا وإلا محوت اسمك من النبوة . قالت المعتزلة : ومما يدل على أن المراد من هذه المشيئة مشيئة الإلجاء ، أنه تعالى قال بعده : { ولتسألن عما كنتم تعملون } فلو كانت أعمال العباد بخلق الله تعالى لكان سؤالهم عنها عبثا ، والجواب عنه قد سبق مرارا ، والله أعلم .