تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (93)

90

{ ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون } .

شاء الله أن يجعل الإنسان خليفة في الأرض ، وميزه بالعقل والفكر والإرادة والاختيار ، قال تعالى : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } ( الإنسان : 3 ) .

ولو شاء الله لجعل الناس جميعا نسخا مكررة ، مثل جماعات النمل والنحل ، ولو شاء لجعل حياة الزوج مع زوجته أشبه بحياة الملائكة ، لكن الله أراد أن يتفاوت الناس في الكسب والاختيار والاستعداد ، وأن يكون الجزاء مرتبا على العمل .

قال تعالى : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم }( هود : 119 ، 118 ) .

{ ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء } .

فهو سبحانه عرض على الناس الهدى والشرائع والرسالات ، وأرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ، فمن اختار الضلال ، وأعرض عن هدايات السماء ؛ تركه الله ضالا متحيرا ، ولا يضل إلا من اختار الضلالة على الهدى ، ومن رغب في الحق ، وسارع إلى الإيمان ، واختار طريق الهداية ؛ يسر الله له طريق الهدى وشرح صدره للإسلام ، وهداه إلى الصراط المستقيم ، وبهذا نجمع بين الآيات القرآنية التي وردت في الموضوع ، فالعبد له إرادة واختيار ، والله تعالى له نواميس عامة ، لهذا الكون ، ومن هذه النواميس : أنه لا يهدي إلا من اختار الهدى ، ولا يضل إلا من اختار الضلالة ، فهدايات السماء غالية عالية ، والله لا يلزم الناس بالحق ، وإنما يعرضه عليهم ، وقد خلق فيهم العقل والإدراك ، والكسب والاختيار ، وبهذا يستحق كل إنسان جزاء كسبه وسعيه ، قال تعالى : { فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى* وكذب بالحسنى*فسنيسره للعسرى }( الليل : 5 10 ) .

وقال سبحانه : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }( الزلزلة : 8 ، 7 ) .

{ ولتسألن عما كنتم تعملون } . أي : إن الله تعالى سيسأل جميع الناس سؤال محاسبة ومجازاة لا سؤال استفهام ، وسيترتب على هذا السؤال أن يكون الجزاء الحق من جنس العمل ، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا ذر ، أخلص العمل ؛ فإن الناقد بصير ، وخفف ظهرك ؛ فإن العقبة كئود ، واستكثر الزاد ؛ فإن السفر بعيد ، والذي نفس محمد بيده ، لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن على ما تعملون ، ولتجزون بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا ، وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا )59 .