تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَلَتُسۡـَٔلُنَّ عَمَّا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (93)

الآية : 93 وقوله تعالى : { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } ، قال الحسن : { ولو شاء الله } ، المشيئة هاهنا مشيئة القهر والقسر ، أي : لو شاء لجبرهم ، وقهرهم على الإيمان ، فآمنوا جميعا . وهذا فاسد ؛ لأن لا يكون بالقهر والجبر إيمان ؛ لأنه لا صنع للعبد في حال القهر والجبر ، فيبطل تأويله ؛ إذ لا يجوز أن يثبت إيمان في تلك الحال .

وقال أبو بكر : تأويل{[10471]} قوله : { ولو شاء الله } ، لأنزل لهم آية حتى يؤمنوا جميعا . ( كتلك الآية ، وهي قوله ) {[10472]} : { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } ( الشعراء : 4 ) .

لكن عندنا ليسوا يؤمنون ، ويخضعون للآية ، ولكن بما شاء لهم ذلك . ولا يحتمل أن تحملهم الآية على الإيمان ، شاؤوا ، أو أبوا . ألا ترى أنهم يكذبون يوم الحشر عند معاينتهم الآيات ، وهو قوله : { ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤهم الذين كنتم تزعمون } ، إلى قوله : { والله ربنا ما كنا مشركين } ( الأنعام : 22 و 23 ) ، أخبر أنهم يكذبون ، وقد يمنعهم ذلك عن الكذب . دل أن الآية ليست تحملهم على الإيمان ، ولا تضطرهم عليه . ولكن لو شاء لآمنوا بالاختيار ، فيبطل تأويله .

ثم الآية تحتمل عندنا وجهين :

أحدهما : قوله تعالى : { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } ، بظاهر السبب الذي لو {[10473]} أعطاهم لآمنوا له ، ( كقوله تعالى ) {[10474]} : { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } الآية ( الزخرف : 33 ) ، أخبر أنه لو ما يرغب الناس في الكفر ، فيكونوا كفارا كلهم ، وإلا جعل سقف أهل الكفر ومعارجهم من فضة . فلو أنه جعل ذلك بعينه لأهل الإسلام لا يحمل أهل الكفر على ترك الكفر والدخول في الإسلام .

الوجه الثاني : { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } ، بلطف منه ، { يشرح صدره للإسلام } الآية ( الأنعام : 125 ) ، من غير أن يُعلم أن أحدا ألقى ذلك في قلبه من نحو ما يمكن للشيطان عدوا لله حتى يقذف في قلوب الخلق ، ويلقي وساوس من غير أن يعلموا أن أحدا دعا إلى ذلك ، أو ألقى في{[10475]} قلوبهم .

ألا ترى أن إبليس لما وسوس إلى آدم عليه السلام ليتناول من الشجرة التي نهى عنها ربه ، لو علم أن إبليس لما أجابه ؟ وكذلك ما مكن الملائكة من تثبيت قلوب اللذين آمنوا وإلقاء أشياء في قلوبهم ، وإلهامهم {[10476]} ، وهو قوله : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا } ( الأنفال : 12 ) من غير أن يعلموا أن أحدا دعاهم إلى ذلك ، أو ألقى أحدا ذلك في قلوبهم .

فمن ملك تمكين عدوه وملائكته على ما ذكرنا ، يملك شرح صدر للإسلام والدعاء إلى ذلك من غير أن يعلم أن أحدا فعل ذلك .

وقوله تعالى : { ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء } ، على قول الحسن على الحكم لذلك .

وقال أبو بكر : { يضل } ، بالنهي من نهى ، { ويهدي } ، بالأمر . لكن هذا فاسد ؛ لأنه لو كان بالنهي مضلا ، وبالأمر هديا ، لكان مضلا للأنبياء والرسل ؛ لأنه قد نهاهم بمناه ، فيكون مضلا لهم ، فإن قيل : { لم يضل {[10477]} ما ذكرت لأنهم لم يرتكبوا المناهي ، قيل الارتكاب فعلهم ، فلا يحتمل أن سكون بفعلهم ذلك ، فدل أن ما ذكر فاسدا . وعلى قولهم يكون بالنهي عاصيا مضلا .

وعند قوله : { لكن يضل من يشاء } ، أي : يَخْلُقُ فعل الضلال منهم ، أو يضل من علم أنه يختار الضلال على الهدى ، ويخذله{[10478]} .

وقوله تعالى : { ولتسئلن عما كنتم تعلمون } ، وهو ظاهر .


[10471]:في الأصل وم: تأويله.
[10472]:في الأصل وم: لتلك الآية كقوله.
[10473]:في الأصل وم: إذا.
[10474]:ساقطة من الأصل وم.
[10475]:في الأصل وم: إلى.
[10476]:في الأصل وم: يلهمونهم.
[10477]:في الأصل وم: يضر.
[10478]:في الأصل وم: يخذلهم.