مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ} (98)

أما الآية الثانية وهي قوله تعالى : { من كان عدوا لله وملائكته } فاعلم أنه تعالى لما بين في الآية الأولى : { من كان عدوا لجبريل } لأجل أنه نزل القرآن على قلب محمد ، وجب أن يكون عدوا لله تعالى ، بين في هذه الآية أن من كان عدوا لله كان عدوا له ، فبين أن في مقابلة عداوتهم ما يعظم ضرر الله عليهم وهو عداوة الله لهم ، لأن عداوتهم لا تؤثر ولا تنفع ولا تضر ، وعداوته تعالى تؤدي إلى العذاب الدائم الأليم الذي لا ضرر أعظم منه ، وههنا سؤالات :

السؤال الأول : كيف يجوز أن يكونوا أعداء الله ومن حق العداوة الإضرار بالعدو ، وذلك محال على الله تعالى ؟ والجواب : أن معنى العداوة على الحقيقة لا يصح إلا فينا لأن العدو للغير هو الذي يريد إنزال المضار به ، وذلك محال على الله تعالى ، بل المراد منه أحد وجهين ، إما أن يعادوا أولياء الله فيكون ذلك عداوة لله كقوله : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } وكقوله : { إن الذين يؤذون الله ورسوله } لأن المراد بالآيتين أولياء الله دونه لاستحالة المحاربة والأذية عليه ، وإما أن يراد بذلك كراهتهم القيام بطاعته وعبادته وبعدهم عن التمسك بذلك فلما كان العدو لا يكاد يوافق عدوه أو ينقاد له شبه طريقتهم في هذا الوجه بالعداوة ، فأما عداوتهم لجبريل والرسل فصحيحة لأن الإضرار جائز عليهم لكن عداوتهم لا تؤثر فيهم لعجزهم عن الأمور المؤثرة فيهم ، وعداوتهم مؤثرة في اليهود لأنها في العاجل تقتضي الذلة والمسكنة ، وفي الآجل تقتضي العذاب الدائم .

السؤال الثاني : لما ذكر الملائكة فلم أعاد ذكر جبريل وميكائيل مع اندراجهما في الملائكة ؟ الجواب لوجهين ، الأول : أفردهما بالذكر لفضلهما كأنهما لكمال فضلهما صارا جنسا آخر سوى جنس الملائكة ، الثاني : أن الذي جرى بين الرسول واليهود هو ذكرهما والآية إنما نزلت بسببهما ، فلا جرم نص على اسميهما ، واعلم أن هذا يقتضي كونهما أشرف من جميع الملائكة وإلا لم يصح هذا التأويل ، وإذا ثبت هذا فنقول : يجب أن يكون جبريل عليه السلام أفضل من ميكائيل لوجوه ، أحدها : أنه تعالى قدم جبريل عليه السلام في الذكر ، وتقديم المفضول على الفاضل في الذكر مستقبح عرفا فوجب أن يكون مستقبحا شرعا لقوله عليه السلام : ( ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) ، وثانيها : أن جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن والوحي والعلم وهو مادة بقاء الأرواح ، وميكائيل ينزل بالخصب والأمطار وهي مادة بقاء الأبدان ، ولما كان العلم أشرف من الأغذية وجب أن يكون جبريل أفضل من ميكائيل ، وثالثها : قوله تعالى في صفة جبريل : { مطاع ثم أمين } ذكره يوصف المطاع على الإطلاق ، وظاهره يقتضي كونه مطاعا بالنسبة إلى ميكائيل فوجب أن يكون أفضل منه .

المسألة الثانية : قرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم ميكال بوزن قنطار ، ونافع ميكائل مختلسة ليس بعد الهمزة ياء على وزن ميكاعل ، وقرأ الباقون ميكائيل على وزن ميكاعيل ، وفيه لغة أخرى ميكيئل على وزن ميكيعل ، وميكئيل كميكعيل ، قال ابن جني : العرب إذا نطقت بالأعجمي خلطت فيه .

المسألة الثالثة : الواو في جبريل وميكال ، قيل : واو العطف ، وقيل : بمعنى أو يعني من كان عدوا لأحد من هؤلاء فإن الله عدو لجميع الكافرين .

المسألة الرابعة : { عدو للكافرين } أراد عدو لهم إلا أنه جاء بالظاهر ليدل على أن الله تعالى إنما عاداهم لكفرهم ، وأن عداوة الملائكة كفر .