قوله تعالى : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا } : الكلام في " مَنْ " كما تقدم ، إلاَّ أن الجواب هنا يجوز أن يكون { فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } .
فإن قيل : وأين الرَّابط ؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن الاسم الظاهر قام مقام المضمر ، وكان الأصل : فإن الله عَدُوّ لهم ، فأتى بالظَّاهر تنبيهاً على العلة .
والثاني : أن يراد بالكافرين العموم ، والعموم من الرَّوَابط ، لاندراج الأول تحته ، ويجوز أن يكون محذوفاً تقديره : من كان عدوّاً لله فقد كفر ونحوه .
وقال بعضهم : الواو في قوله : { وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } بمعنى " أو " ، قال : لأن من عادى واحداً من هؤلاء المذكورين ، فالحكم فيه كذلك .
وقال بعضهم : هي للتفصيل ، ولا حاجة إلى ذلك ، فإن هذا الحكم معلوم ، وذكر جبريل وميكال بعد اندراجهما أولاً تنبيهٌ على فضلهما على غيرهما من الملائكة ، وهكذا كُلّ ما ذكر خاص بعد عام ، ويحتمل أن يكون أعاد ذكرهما بعد اندراجهما ؛ لأن الذي جرى بين الرَّسول وبين اليهود هو ذكرهما ، والآية إنما نزلت بسببهما ، فلا جَرَمَ نصّ على اسميهما ، واعلم أنَّ هذا يقتضي كونهما أشرف من جميع الملائكة ، وبعضهم يسمي هذا النوع بالتجريد ، كأنه يعني به أنه جرد من العموم الأول بعض أفراده اختصاصاً له بمزية ، وهذا الحكم أعني ذكر الخاصّ بعد العام مختصّ بالواو ولا يجوز في غيرها من حروف العطف .
وجعل بعضهم مثل هذه الآية أعني : في ذكر الخاصّ بعد العام تشريفاً له قوله : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [ الرحمن : 68 ] وهذا فيه نظر ، فإن " فاكهة " من باب المطلق ؛ لأنها نكرة في سياق الإثبات ، وليست من العموم في شيء ، فإن عنى أن اسم الفاكهة يطلق عليهما من باب صِدْق اللَّفظ على ما يحتمله ، ثم نص عليه فصحيح ، وأتى باسم الله ظاهراً في قوله : { فإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ } ؛ لأنه لو أُضمر فقيل : " فإنه " لأوهم عوده على اسم الشرط ، فينعكس المعنى ، أو عوده على ميكال ؛ لأنه أقرب مذكور .
وميكائيل اسم أعجمي ، والكلام فيه كالكلام في " جبريل " من كونه مشتقّاً من ملكوت الله عز وجل ، أو أن " ميك " بمعنى عبد ، و " إيل " اسم الله ، وأن تركيبه تركيب إضافة أو تركيب مزج ، وقد عرف الصحيح من ذلك .
وفيه سبع لغات : " مِيكَال " بزنة " مِفْعَال " وهي لغة " الحجاز " ، وبها قرأ أبو عمر{[27]} وحفص عن عاصم ، وأهل " البصرة " ؛ قالوا : [ البسيط ]
685- وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا عُدَدٌ *** فِيهِ مَعَ النَّصْرِ مِيكَالٌ وَجِبْرِيلُ{[28]}
686- عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بمُحَمَّد *** وَبِجَبْرَئِيلَ وَكَذَّبُوا مِيْكَالاَ{[29]}
الثانية : كذلك ، إلاَّ أن بعد الألف همزة ، وبها قرأ نافع وأهل " المَدينة " بهمزة واختلاس ميكائيل .
الثالثة : كذلك ، إلا أنه بزيادة ياء بعد الهمزة بوزن " ميكائيل " ، وهي قراءة الباقين .
الرابعة : ميكئيل مثل ميكعيل ، وبها قرأ ابن محيصن .
الخامسة : كذلك ، إلاَّ أنه لا ياء بعد الهمزة ، فهو مثل : مِيكَعِل ، وقرئ بها .
السادسة : ميكاييل بياءين بعد الألف ، وبها قرأ الأعمش .
السابعة : ميكاءَل بهمزة مفتوحة بعد الألف كما يقال : " إسراءَل " ، وحكى المَاوَرْدِيّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن " جَبْر " بمعنى عَبْد بالتكبير ، و " ميكا " بمعنى عُبَيْد بالتصغير ، فمعنى جبريل : عبد الله ، ومعنى ميكائيل : عبيد الله قال : ولا يعلم لابن عباس في هذا مخالف .
وقال القرطبي رحمه الله تعالى : وزاد بعض المفسّرين : وإسرافيل عبد الرحمن .
قال النحاس : ومن قال : " جبر " عبد ، و " إل " الله وجب عليه أن يقول : هذا جَبْرُئِل ، ورأيت جَبْرَئِل ، ومررت بِجَبْرِئِل ، وهذا لا يقال ، فوجب أن يكون مسمى بهذا .
وقال غيره : ولو كان كما قالوا لكان مصروفاً ، فترك الصرف يدلّ على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف .
قال ابن الخطيب{[30]} : يجب أن يكون جبريل عليه الصَّلاة والسَّلام أفضل من ميكائيل لوجوه :
أحدها : أنه قدمه في الذّكر ، وتقديم المَفْضُول على الفاضل في الذكر مستقبح عرفاً .
وثانيها : أن جبريل ينزل بالقرآن والوحي والعلم ، وهو مادة بقاء الأرواح ، وميكائيل ينزل بالخصب والأمطار ، وهي مادة بقاء الأبدان ، ولما كان العلم أشرف من الأغذية وجب أن يكون جبريل أفضل من ميكائيل .
وثالثها : قوله تعالى في صفة جبريل عليه الصلاة والسلام : { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [ التكوير : 21 ] ذكره بوصف المطاع على الإطلاق ، وظاهره يقتضي كونه مطاعاً بالنسبة إلى ميكائيل عليه الصَّلاة والسَّلام فوجب أن يكون أفضل منه .
فإن قيل : حقّ العَدَاوة الإضرار بالعدو ، وذلك مُحَال على الله تعالى ، فكيف يجوز أن يكونوا أعداء الله ؟
فالجواب : أن معنى العداوة على الحقيقة لا يصح إلاّ فينا ؛ لأن العدو للغير هو الذي يريد إنزال المَضَارِّ به ، وذلك مُحَال على الله تَعَالى بل المراد أحد وجهين : إما أن يعادوا أولياء الله ، فيكون ذلك عداوة لله ، كقوله : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ المائدة : 33 ] ، وكقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ الأحزاب : 57 ] ؛ لأن المراد بأولياء الله دونه لاستحالة المحاربة والأذيّة عليه ، وإما أن يراد بذلك كراهيتهم القيام بطاعته وعبادته ، وبعدهم عن الطريقة ، فلما كان العدو لا يكاد يوافق عدوه أو ينقاد له شبه طريقتهم في هذا الوجه بالعداوة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.