اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ} (98)

قوله تعالى : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا } : الكلام في " مَنْ " كما تقدم ، إلاَّ أن الجواب هنا يجوز أن يكون { فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } .

فإن قيل : وأين الرَّابط ؟ فالجواب من وجهين :

أحدهما : أن الاسم الظاهر قام مقام المضمر ، وكان الأصل : فإن الله عَدُوّ لهم ، فأتى بالظَّاهر تنبيهاً على العلة .

والثاني : أن يراد بالكافرين العموم ، والعموم من الرَّوَابط ، لاندراج الأول تحته ، ويجوز أن يكون محذوفاً تقديره : من كان عدوّاً لله فقد كفر ونحوه .

وقال بعضهم : الواو في قوله : { وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } بمعنى " أو " ، قال : لأن من عادى واحداً من هؤلاء المذكورين ، فالحكم فيه كذلك .

وقال بعضهم : هي للتفصيل ، ولا حاجة إلى ذلك ، فإن هذا الحكم معلوم ، وذكر جبريل وميكال بعد اندراجهما أولاً تنبيهٌ على فضلهما على غيرهما من الملائكة ، وهكذا كُلّ ما ذكر خاص بعد عام ، ويحتمل أن يكون أعاد ذكرهما بعد اندراجهما ؛ لأن الذي جرى بين الرَّسول وبين اليهود هو ذكرهما ، والآية إنما نزلت بسببهما ، فلا جَرَمَ نصّ على اسميهما ، واعلم أنَّ هذا يقتضي كونهما أشرف من جميع الملائكة ، وبعضهم يسمي هذا النوع بالتجريد ، كأنه يعني به أنه جرد من العموم الأول بعض أفراده اختصاصاً له بمزية ، وهذا الحكم أعني ذكر الخاصّ بعد العام مختصّ بالواو ولا يجوز في غيرها من حروف العطف .

وجعل بعضهم مثل هذه الآية أعني : في ذكر الخاصّ بعد العام تشريفاً له قوله : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [ الرحمن : 68 ] وهذا فيه نظر ، فإن " فاكهة " من باب المطلق ؛ لأنها نكرة في سياق الإثبات ، وليست من العموم في شيء ، فإن عنى أن اسم الفاكهة يطلق عليهما من باب صِدْق اللَّفظ على ما يحتمله ، ثم نص عليه فصحيح ، وأتى باسم الله ظاهراً في قوله : { فإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ } ؛ لأنه لو أُضمر فقيل : " فإنه " لأوهم عوده على اسم الشرط ، فينعكس المعنى ، أو عوده على ميكال ؛ لأنه أقرب مذكور .

وميكائيل اسم أعجمي ، والكلام فيه كالكلام في " جبريل " من كونه مشتقّاً من ملكوت الله عز وجل ، أو أن " ميك " بمعنى عبد ، و " إيل " اسم الله ، وأن تركيبه تركيب إضافة أو تركيب مزج ، وقد عرف الصحيح من ذلك .

وفيه سبع لغات : " مِيكَال " بزنة " مِفْعَال " وهي لغة " الحجاز " ، وبها قرأ أبو عمر{[27]} وحفص عن عاصم ، وأهل " البصرة " ؛ قالوا : [ البسيط ]

685- وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا عُدَدٌ *** فِيهِ مَعَ النَّصْرِ مِيكَالٌ وَجِبْرِيلُ{[28]}

وقال جرير : [ الكامل ]

686- عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بمُحَمَّد *** وَبِجَبْرَئِيلَ وَكَذَّبُوا مِيْكَالاَ{[29]}

الثانية : كذلك ، إلاَّ أن بعد الألف همزة ، وبها قرأ نافع وأهل " المَدينة " بهمزة واختلاس ميكائيل .

الثالثة : كذلك ، إلا أنه بزيادة ياء بعد الهمزة بوزن " ميكائيل " ، وهي قراءة الباقين .

الرابعة : ميكئيل مثل ميكعيل ، وبها قرأ ابن محيصن .

الخامسة : كذلك ، إلاَّ أنه لا ياء بعد الهمزة ، فهو مثل : مِيكَعِل ، وقرئ بها .

السادسة : ميكاييل بياءين بعد الألف ، وبها قرأ الأعمش .

السابعة : ميكاءَل بهمزة مفتوحة بعد الألف كما يقال : " إسراءَل " ، وحكى المَاوَرْدِيّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن " جَبْر " بمعنى عَبْد بالتكبير ، و " ميكا " بمعنى عُبَيْد بالتصغير ، فمعنى جبريل : عبد الله ، ومعنى ميكائيل : عبيد الله قال : ولا يعلم لابن عباس في هذا مخالف .

وقال القرطبي رحمه الله تعالى : وزاد بعض المفسّرين : وإسرافيل عبد الرحمن .

قال النحاس : ومن قال : " جبر " عبد ، و " إل " الله وجب عليه أن يقول : هذا جَبْرُئِل ، ورأيت جَبْرَئِل ، ومررت بِجَبْرِئِل ، وهذا لا يقال ، فوجب أن يكون مسمى بهذا .

وقال غيره : ولو كان كما قالوا لكان مصروفاً ، فترك الصرف يدلّ على أنه اسم واحد مفرد ليس بمضاف .

قال ابن الخطيب{[30]} : يجب أن يكون جبريل عليه الصَّلاة والسَّلام أفضل من ميكائيل لوجوه :

أحدها : أنه قدمه في الذّكر ، وتقديم المَفْضُول على الفاضل في الذكر مستقبح عرفاً .

وثانيها : أن جبريل ينزل بالقرآن والوحي والعلم ، وهو مادة بقاء الأرواح ، وميكائيل ينزل بالخصب والأمطار ، وهي مادة بقاء الأبدان ، ولما كان العلم أشرف من الأغذية وجب أن يكون جبريل أفضل من ميكائيل .

وثالثها : قوله تعالى في صفة جبريل عليه الصلاة والسلام : { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [ التكوير : 21 ] ذكره بوصف المطاع على الإطلاق ، وظاهره يقتضي كونه مطاعاً بالنسبة إلى ميكائيل عليه الصَّلاة والسَّلام فوجب أن يكون أفضل منه .

فإن قيل : حقّ العَدَاوة الإضرار بالعدو ، وذلك مُحَال على الله تعالى ، فكيف يجوز أن يكونوا أعداء الله ؟

فالجواب : أن معنى العداوة على الحقيقة لا يصح إلاّ فينا ؛ لأن العدو للغير هو الذي يريد إنزال المَضَارِّ به ، وذلك مُحَال على الله تَعَالى بل المراد أحد وجهين : إما أن يعادوا أولياء الله ، فيكون ذلك عداوة لله ، كقوله : { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ المائدة : 33 ] ، وكقوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ الأحزاب : 57 ] ؛ لأن المراد بأولياء الله دونه لاستحالة المحاربة والأذيّة عليه ، وإما أن يراد بذلك كراهيتهم القيام بطاعته وعبادته ، وبعدهم عن الطريقة ، فلما كان العدو لا يكاد يوافق عدوه أو ينقاد له شبه طريقتهم في هذا الوجه بالعداوة .


[27]:سقط في أ.
[28]:سقط في أ.
[29]:ينظر: المشكل 1/123.
[30]:ينظر: الكتاب 3/324.