المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ} (98)

{ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } ( 98 )

وقوله تعالى : { من كان عدواً لله } الآية وعيد وذم لمعادي جبريل عليه السلام ، وإعلام أن عداوة البعض تقتضي عداوة الله لهم ، وعداوة العبد لله هي معصيته واجتناب طاعته ومعاداة أوليائه( {[999]} ) ، وعداوة الله للعبد تعذيبه وإظهار أثر العداوة عليه ، وذكر جبريل وميكائيل وقد كان ذكر الملائكة عمهما تشريفاً لهما( {[1000]} ) ، وقيل خصا لأن اليهود ذكروهما ونزلت الآية بسببهما ، فذكرهما واجب لئلا تقول اليهود إنا لم نعاد الله وجميع ملائكته ، وقرأ نافع «ميكائل » بهمزة دون ياء ، وقرأ بها ابن كثير في بعض ما روي عنه ، وقرأ ابن عامر وابن كثير أيضاً وحمزة والكسائي ، «ميكائيل » بياء بعد الهمزة ، وقرأ أبو عمرو وعاصم «ميكال » ، ورويت عن ابن كثير منذ رآها في النوم كما ذكرنا ، وقرأ ابن محيصن «ميكئل » بهمزة دون ألف ، وقرأ الأعمش «ميكاييل » بياءين ، وظهر الاسم في قوله : { فإن الله }( {[1001]} ) لئلا يشكل عود الضمير ، وجاءت العبارة بعموم الكافرين لأن عود الضمير على من يشكل سواء أفردته أو جمعته ، ولو لم نبال بالاشكال وقلنا المعنى يدل السامع على المقصد للزم تعيين قوم بعداوة الله لهم ، ويحتمل أن الله تعالى قد علم أن بعضهم يؤمن فلا ينبغي أن تطلق عليه عداوة الله للمآل . ( {[1002]} )

وروي أن رجلاً من اليهود لقي عمر بن الخطاب فقال له : أرأيت جبريل الذي يزعم صاحبك أنه يجيئه ذلك عدونا ، فقال له عمر رضي الله عنه : { من كان عدواً لله } إلى آخر الآية ، فنزلت على لسان عمر رضي الله عنه . ( {[1003]} )

قال القاضي أبو محمد رحمه الله وهذا الخبر يضعف من جهة معناه . ( {[1004]} )


[999]:- لأن إلحاق الضرر بالله مستحيل، فالمراد بالمعادي لله من يفعل فعل المعادي من المخالفة والمعصية.
[1000]:- يعني أن ذكر جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة هو من باب التخصيص بعد التعميم: وذلك دلالة على فضلها، ولأن اليهود قد تقول: إنا لم نعاد الله و لا جميع الملائكة، ولأن النزاع واقع فيهما فذكرهما أهم.
[1001]:- أي جيء به ظاهرا لا ضميرا.
[1002]:- أي ينتقل عن العداوة بالإيمان، أي يؤول به الحال إلى الإيمان، والله تعالى إنما عاداهم لكفرهم، وفيه دلالة على أن عداوة الملائكة كفر، وأن عداوة الأولياء عداوة لله.
[1003]:- رواه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وسيأتي عن المؤلف التصريح بأنه خبر ضعيف.
[1004]:- أي الخبر الذي فيه أن عمر رضي الله عنه نطق بهذه الآية في جواب من قال له من اليهود: ذلك عدونا فنزلت على لسانه، ووجه ذلك –والله أعلم- أن هناك طرقا وردت في سبب نزول الآية من دون أن تتعرض لذلك. ولم يظهر لنا وجه الضعف من ناحية المعنى، ولذلك لم يذكره أبو حيان، والألوسي، وإنما اقتصر على القول بأن الخبر نقلا عن ابن عطية، وموافقات الوحي لعمر شهيرة والله أعلم.