فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ} (98)

ثم أنه اتبع سبحانه هذا الكلام بجملة مشتملة على شرط وجزاء تتضمن الذم لمن عادى جبريل بذلك السبب والوعيد الشديد فقال { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل } العداوة من العبد هي صدور المعاصي منه لله تعالى والبغض لأوليائه ، والعداوة من الله للعبد هي تعذيبه بذنبه وعدم التجاوز عنه والمغفرة له ، قال الكرماني قدم الملائكة على الرسل كما قدم الله على الجميع لأن عداوة الرسل بسبب نزول الكتب ، ونزولها بتنزيل الملائكة وتنزيلهم لها بأمر الله ، فذكر الله ومن بعده على هذا الترتيب ، وإنما خص جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة لقصد التشريف لهما والدلالة على فضلهما ، وأنهما وإن كانا من الملائكة فقد صارا باعتبار ما لهما من المزية بمنزلة جنس آخر أشرف من جنس الملائكة تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما ذكره صاحب الكشاف ، وقرره علماء البيان .

وفي جبريل ثلاث عشر لغة ذكرها ابن جرير الطبري وغيره ، وفي ميكائيل ست لغات ، وهما اسمان أعجميان قيل معناهما عبد الله لأن جبروميك بالسريانية هو العبد ، والإيل هو الله ، والعرب إذ نطقت بالعجمى تساهلت فيه ، وقال ابن جني خلطت فيه ، والأولى ما ذكرناه { فإن الله عدو للكافرين } فأما عداوتهم لله فإنها لا تضره ولا تؤثر ، وعداوته لهم تؤديهم إلى العذاب الأليم الدائم الذي لا ضرر أعظم منه .

ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ، أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ، ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون } .