مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَٰلَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (9)

فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة من وجوه . أحدها : قوله : { انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا } وفيه أبحاث :

الأول : أن هذا كيف يصلح أن يكون جوابا عن تلك الشبهة ؟ وبيانه أن الذي يتميز الرسول به عن غيره هو المعجزة وهذه الأشياء التي ذكروها لا يقدح شيء منها في المعجزة فلا يكون شيء منها قادحا في النبوة ، فكأنه تعالى قال انظر كيف اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوتك لم يجدوا إلى القدح فيه سبيلا البتة إذ الطعن عليه إنما يكون بما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول وفيه وجه آخر وهو أنهم لما ضلوا لم يبق فيهم استطاعة قبول الحق ، وهذا إنما يصح على مذهبنا وتقريره بالعقل ظاهر ، وذلك لأن الإنسان ، إما أن يكون مستوى الداعي إلى الحق والباطل ، وإما أن يكون داعيته إلى أحدهما أرجح من داعيته إلى الثاني ، فإن كان الأول فحال الاستواء ممتنع الرجحان فيمتنع الفعل وإن كان الثاني فحال رجحان أحد الطرفين يكون حصول الطرف الآخر ممتنعا ، فثبت أن حال رجحان الضلالة في قلبه استحال منه قبول الحق ، وما كان محالا لم يكن عليه قدرة ، فثبت أنهم لما ضلوا ما كانوا مستطيعين .