مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (77)

أما قوله : { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } ففيه أسئلة :

السؤال الأول : كيف يكون الصنم عدوا مع أنه جماد ؟ جوابه من وجوه . أحدهما : أنه تعالى قال في سورة مريم في صفة الأوثان { كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا } فقيل في تفسيره إن الله يحيي ما عبدوه من الأصنام حتى يقع منهم التوبيخ لهم والبراءة منهم ، فعلى هذا الوجه أن الأوثان ستصير أعداء لهؤلاء الكفار في الآخرة فأطلق إبراهيم عليه السلام لفظ العداوة عليهم على هذا التأويل . وثانيها : أن الكفار لما عبدوها وعظموها ورجوها في طلب المنافع ودفع المضار نزلت منزلة الأحياء العقلاء في اعتقاد الكفار ، ثم إنها صارت أسبابا لانقطاع الإنسان عن السعادة ووصوله إلى الشقاوة ، فلما نزلت هذه الأصنام منزلة الأحياء وجرت مجرى الدافع للمنفعة والجالب للمضرة لا جرم جرت مجرى الأعداء ، فلا جرم أطلق إبراهيم عليه السلام عليها لفظ العدو . وثالثها : المراد في قوله : { فإنهم عدو لي } عداوة من يعبدها ، فإن قيل فلم لم يقل إن من يعبد الأصنام عدو لي ليكون الكلام حقيقة ؟ جوابه : لأن الذي تقدم ذكره ما عبدوه دون العابدين .

السؤال الثاني : لم قال : { فإنهم عدو لي } ولم يقل فإنها عدو لكم ؟ جوابه : أنه عليه السلام صور المسألة في نفسه على معنى إني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها ، وأراهم أنها نصيحة نصح بها نفسه ، فإذا تفكروا قالوا ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه ، فيكون ذلك أدعى للقبول .

السؤال الثالث : لم لم يقل فإنهم أعدائي ؟ جوابه العدو والصديق يجيئان في معنى الواحد والجماعة ، قال :

وقوم على ذوي مرة *** أراهم عدوا وكانوا صديقا

ومنه قوله تعالى : { وهم لكم عدو } وتحقيق القول فيه ما تقدم في قوله : { إنا رسول رب العالمين } .

السؤال الرابع : ما هذا الاستثناء ؟ جوابه أنه استثناء منقطع كأنه قال لكن رب العالمين .